الموارد المائية في تونس برامج وانجازات لكن

 

سعيدة الزمزمي:

أثارت مسألة ندرة المياه في السنوات الأخيرة جدلا واسعا داخل المنظومات العالمية والسياسات الدولية محدثة ارتباكا وتخوفا على الأمن المائي الضامن للأمن الغذائي. وتعود أسباب هذه المسألة الى التغيرات المناخية والتقلبات التي تحدثها من فترات جفاف وهطول أمطار وارتفاع درجات الحرارة. وفي هذا المجال، تعددت الدراسات والتقارير لمجابهة هذه الإشكالية بحثا عن حلول واستراتيجيات ناجعة.

وتعد تونس واحدة من الدول التي تواجه هذه المسالة حيث انها تعيش تحت خط الفقر المائي. لهذا الأمر، تعد مسألة تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها من الرهانات والتحديات الكبرى التي تعمل عليها منذ عقود. لكن وبعد ظهور تغييرات باتت مسالة الاقتصاد في الماء من الأولويات التي يفترض الاخذ بعين الاعتبار لتحقيق التوزان المائي بين مختلف القطاعات ولكل المواطنين.

فعلى المستوى الفني ومنذ عام 2016، عملت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري على تطوير المنظومة المائية وتحسينها، حيث تم تعبئة 91 بالمائة من الموارد المائية المتاحة. اذ أنجزت العديد من السدود كما تم تنشيط كل الخزانات الجوفية تقريبا وإنجاز مشاريع جديدة في الغرض، في حين بقيت مسألة تحلية مياه البحر عالقة لانه ليس بالسهل تعبئة موارد مائية إضافية وتستدعي دراسات معمقة واستثمارات كبيرة وتقنيات أكثر تطورا مثل التحلية والتكرير والتغذية الاصطناعية للموائد المائية.

كما تولت الوزارة تنفيذ مخططات جهوية لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب لصائفة 2018 لفائدة العديد من الولايات أمام ارتفاع نسبة الطلب على مياه الشرب. حيث قامت بتشغيل المشاريع المعطلة وإنجاز مشاريع جديدة إضافة الى وضع خطة وطنية لتحسين حوكمة التصرف في المنظومات المائية من قبل المجامع المائية وتدعيم الموارد المائية بحفر الأبار العميقة بالعديد من الولايات، كالقيروان، وسيدي بوزيد، وقفصة والقصرين وغيرها من الولايات الأخرى.

فعلى  سبيل الذكر لا الحصر بلغت عدد المشاريع المخصصة  لولاية القيروان، 14 مشروع لفائدة 33670 ساكن. من جهة أخرى، تم انجاز مشاريع تحلية المياه على غرار محطة جربة و6 محطات تحلية المياه الجوفية المالحة بالجنوب التونسي والشروع في انجاز المنشآت الكبرى لتدعيم منظومة تحويل مياه الشمال على غرار سد القلعة وبجاوة ومحطات معالجة المياه بالقلعة الكبرى، فضلا عن انطلاق اجراءات انجاز مشاريع تحلية مياه البحر بالزارات وصفاقس وقرقنة وكذلك مشروع تحسين نوعية المياه بالجنوب التونسي (المرحلة الثانية).

اضف الى ذلك، تم التقليص من عدد المنظومات المضطربة والمتوقفة  بالوسط الريفي من 202 في موفى سنة 2016 إلى 96 في موفى ماي 2018.

المصدر: وكالات

من ناحية أخرى، ونظرا لان تنمية الموارد المائية لا تأتي بدون ترسيخ مفهوم الاقتصاد في الماء، وترشيد استعمالاته لتلبية حاجيات كل القطاعات الاقتصادية والمواطنين. أطلقت الوزارة مبادرة وطنية تحمل عنوان “ميثاق الاقتصاد في الماء وترشيد استهلاكه” شاركت  فيه المجموعة الوطنية ومكونات المجتمع المدني وكل الهياكل والمواطنين للتوعية والتحسيس بان الماء ثروة وطنية لا بد من المحافظة عليها.

برامج واستثمارات لكن النتائج مازالت بعيدة….

يكتسي قطاع المياه أهمية استراتيجية وحيوية في بلادنا، وقد شملته برامج هامة واستثمارات هامة لكن تبقى العديد من العوائق المطروحة التي تساهم في تعطيل هذه البرامج.  فعلى المستوى التشريعي، لم تشهد النصوص القانونية الخاصة بالماء تطورا رغم تطور الظروف التي اقرت بعدم ملائمة مجلة المياه الصادرة سنة 1975.  في حين بقي مشروع مجلة المياه الجديدة التي جاءت لتعزيز مشاركة المجتمع المدني وإدراج مفهوم التشارك ومفهوم اللامركزية في التصرف عبر إرساء المجلس الجهوي للمياه للتخطيط في مجال المياه من المستوى المحلي إلى الجهوي ثمّ إلى الوطني مع اعتماد البعد البيئي في إطار التنمية المستدامة على مختلف المستويات عالقة لم يقع المصادقة عليها.

المصدر: وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، “الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الماء”

من جانب اخر، لم تساهم فعليا التراتيب الإدارية والإجراءات الإدارية في التسريع في اخذ القرار وتنفيذ البرامج الهامة بل بالعكس، كان الاطار الإداري وتشعب الملفات من النقائص الفادحة.

من جهة أخرى، يذكر ان تسعيرة المياه لم تشهد منذ عقود أي تغيير والحال ان الشركة الوطنية للصوناد مر على تاسيسها اكثر من 30 سنة، اليس بالامر الغريب على مؤسسة عمومية ان تُغط النظر على مسالة هامة كمسالة الزيادة في التعريفة طيلة هذه السنوات؟. إضافة الى ذلك، وللأسف الشديد، لم يحتسب للصوناد ولو مرة واحدة مدى تفاعلها مع مسالة الاقتصاد في الماء منذ هذه السنين، هل كانت تنتظر ان تحرك ساكنها الازمة العالمية لندرة المياه؟

ان المتأمل جيدا في مسألة معالجة ندرة المياه يتبين له ان معالجة هذا الملف الشائك لا يقتصر فقط على الجوانب الفنية والإدارية والتقنية مثلما مازالت الفكرة عالقة في اذهان الوزارة. فالتوعية والتحسيس وتغيير السلوكيات بضرورة الاقتصاد في الماء قد اخذت منحى جديد يراوح بين ماهو مؤسساتي وفني وجمعياتي من خلال مقاربة تشاركية حقيقية. لهذا الامر، كانت الحملة الوطنية التي أطلقتها الوزارة ناقصة على جميع المستويات خصوصا فيما يتعلق بالتشريك الحقيقي للمواطن. لانها لم تطرح طرق واليات تقيس من خلالها مدى وصول المعلومة، ومدى تداعياتها على المواطن.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *