بقلم سعيدة الزمزمي
باتت المجتمعات في كامل بقاع العالم في حيرة تامة جراء هول التغيرات المناخية التي أصبحت من أعقد المشاكل البيئية في هذا العصر. فبعد أن كانت سيناريوهات التغيرات المناخية في السابق حسب العلماء منحصرة في ارتفاع درجات الحرارة ونقص طفيف للموارد الطبيعية تطورت اليوم نحو الأسوأ لتهدد البشرية بأكملها ونذكر الزلازل والبراكين والأعاصير والحرائق والأوبئة والأمراض المنتشرة ونقص الغذاء وندرة المياه وبالتالي المجاعة وتسجيل الأرواح البشرية.
على مدى العقود الثالثة الماضية 2022-1993 تسببت هذه الظواهر بشكل مباشر في وفاة أكثر من765000 شخص وخسائر اقتصادية تجاوزت 4.2 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم “مؤشر المخاطر المناخية لسنة 2025”.
كل هذه الإشكاليات والتحديات المناخية أرهقت المجتمعات وأثقلت كاهله لتصبح قضية دولية لا مناص منها تقتضي تدابير مؤسساتية وتمويلات ضخمة للتخفيف من حدتها. وتفترض هذه الأليات التخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة وتحسين ظروف التكيف مع مخاطر التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية وبناء قدرات الدول النامية خاصة وتمكينها من التكنولوجيات الخضراء الصديقة للبيئة، لبناء اقتصاديات خضراء منخفضة الكربون.
تعد التغيرات المناخية من أبرز القضايا التي أصابت الدول المتقدمة والنامية بأثارها السلبية حيث التهمت الأخضر واليابس جراء النشاط البشري المسؤول الأول على هذه الاضرار الفادحة التي أضرت بالبيئة ومواردها الطبيعية. لكن رغم ذلك وامام الزخم الكبير من الاتفاقيات واللقاءات الدولية للتباحث في سبل تقليص الانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتجنب الاحترار العالمي الذي يلحق اضرارا بالكوكب ، الأفق لا تبشر بخير. فمستويات التلوث الناتجة عن الغازات الدفيئة في نسق متزايد اضف الى ذلك استهلاك الفحم الذي تجاوز معدلاته القياسية السابقة.
التطرف المناخي
تواجه الولايات المتحدة الأميركية سلسلة غير مسبوقة من الكوارث الطبيعية التي جمعت بين الحرائق في الجنوب والجليد في الشمال.
وتعد الخسائر في لوس أنجلوس ما بين 13 مليار دولار و16 مليار دولار وهي أعلى بكثير تقديرات الخسائر البالغة 225 إلى 250 مليار دولار الناتجة عن إعصار “هيلين” في عام 2024 .
وتشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الى ان الأعاصير والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات قد حطمت الأرقام القياسية في عام 2024. وتقول الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سيليستى ساولو: “في عام 2024، شهدنا أول إعصار من الفئة 5 في وقت مبكر جداً من الموسم. وقد ساهمت الإنذارات المبكرة والخدمات المناخية في انقاذ الأرواح وتعزيز القدرة على الصمود”.
و من جهة أخرى وفقا لمؤشر المخاطر المناخية الصادر في شهر فيفري 2025
الصين : اكثر من 600 حدث مناخي متطرف تسببت في تسجيل خسائر يقيمة 706 بلايين دولار واودت بحياة 42000 شخص.
الهند : 400 حدث متطرف تسببت في خسائر يقيمة 180 بليون دولار.
الفليبين: 372 متطرف مناخي تسبب في وفاة 7000 شخص و اضرار اقتصادية بقيمة 13 بليون دولار.
السياسات المناخية في العالم
في ظل ما يشهده العالم من تحديات مناخية صادمة، مازالت مسألة طرح قضية المناخ لدى قادة العالم بعيدة كل البعد عن انتظارات الدول النامية الأكثر تضررا. دون ان ننسى تضرر الدول المرتفعة الدخل. فبعد سلسلة من النقاشات في مؤتمر المناخ في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشان تغير المناخ COP 29 لم تتوصل المجموعة الى اتفاق جماعي المتعلق بالتمويل المناخ وفقا للاحتياجات التي تواجهها البلدان النامية. حيث يعتبر مبلغ 300 بليون دولار امريكي سنويا بحلول عام 2035 لا يفي بالحاجة للتصدي للازمة المناخية المعقدة ولا يأخذ بعين الاعتبار التدابير اللازمة لمعالجة الخسائر والاضرار.
ان معالجة قضية المناخ تتجسد بالعمل الجماعي والالتزام لتقديم مساهمات المحددة وطنيا NDCs لابقاء على الاحترار العالمي دون درجة 1.5 درجة مئوية. في هذا السياق يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش “هذه الكوارث هي تذكير قوي بضرورة العمل العالمي للحد من التغير المناخي والتكيف معه”.
سياسة ترامب ترفض المناخ
منذ توليه الحكم وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، التي تعمل بشكل أساسي علي مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة، وكيفية إيجاد الحلول للتكيف معها، والتخفيف من حدة ضررها علي البيئة، والنظر بجدية للأثار الواضحة للتغيرات المناخية، والحد من ارتفاع الحرارة الى اقل من درجتين مئويتين. وتشكل هذه الخطوة تحديا للجهود الدولية التي تبذل لمكافحة الاحترار العالمي من جراء زيادة ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لتغيّر المناخ. وابرزها السياسة الصناعية التي توخاها الرئيس الأسبق والتي تشمل إنفاق 391 مليار دولار على الطاقة والمناخ.
الانتقال الأخضر والتحديات المناخية
رغم التطرف المناخي تعد الطاقات المتجددة والتكنولوجيا الحديثة والابتكارات حلولا صامدة أمام التغير المناخي من خلال التنبؤ بالرياح باستخدام الذكاء الاصطناعي وأطالس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والخدمات المناخية. وهذا ما تعمل عليه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. فوفقًا لوكالة الطاقة الدولية، زادت الإضافات السنوية لقدرات الطاقة المتجددة بنحو 50% في عام 2023، لتصل إلى 507 جيجاوات، وهو أسرع معدل نمو في العقدين الماضيين.
التنمية الخضراء في الصين:
ايمانا منها بضرورة التحول الأخضر المستدام وتنفيذا لأهداف السياسة المناخية التي وضعتها، حققت هذه الاخيرة أكبر نسبة نمو على الإطلاق، في السنوات القليلة، من خلال تشغيل طاقة شمسية كهروضوئية في عام 2023 تعادل ما قام العالم بأسره بتشغيله في عام 2022، وزادت قدرة الرياح لديها بنسبة 66٪ على أساس سنوي. وتعد هذه الخطوة التي اقرتها الصين خطوة ناجحة للتقليص من استخدام الوقود الاحفوري وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وبالتالي تسهيل عملية إزالة الكربون.
حسب الرئيس “شي جين بينغ” : تعمل الصين على تسريع وتيرة الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة. وهو مسار جديد للتحول في التنمية الخضراء وهو التزام عالمي يتماشى مع أهداف التعايش المتناغم بين الإنسانية والطبيعة”.
يذكر ان الصين اليوم تلقب ب” الصين الجميلة” بعد تحقيقها لأهداف التنمية الخضراء التي طرحها رئيسها الحالي “شي جين بينغ” منذ عام 2016 خلال توليه المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني بعنوان “حوكمة الصين في التنمية الخضراء” وقد أشار خلالها الى ضرورة تعميق الإصلاحات في النظم البيئية لحماية البيئة واضفاء الصيغة القانونية والتشريعات الأساسية.
ان اجراء التحول الى البيئة الخضراء في الصين جاءت عبر ترويج نظام الحوكمة الوطنية الخضراء التي شملت الحوكمة البيئية و الايكولوجية من خلال:
انشاء الحدائق الوطنية و تكثيف عمليات التشجير في المساحات الخضراء، صياغة قوانين بيئية منها المتعلقة بالموارد الطبيعية وانشاء وتحسين أنظمة الخطوط البيئية الحمراء، تحسين النظم وقاعدة البيانات للكشف عن التأثيرات البيئية.
الى جانب والتشجيع على الاستثمارات في الصناعة الخضراء وانشاء صندوق للتنمية الخضراء وبناء مؤسسات ايكولوجية وترسيخ الثقافة الخضراء داخل المجتمع و تحسين قدرة الفاعليين البيئيين من مجتمع مدني وشباب للابتكار والتجديد.
ان المتأمل جيدا في السياسات المناخية والبيئية الصينية يتبين له حجم المجهودات التي بذلتها الصين لمدة طويلة لبناء مجتمع له مستقبل مشترك للبشرية. فالعمل المناخي مثلا هو التزام في المجتمع الصيني قبل ان يكون في شكل اتفاقيات وقوانين مهيكلة. فمنذ 2005 روجت الصين للحوكمة المناخية من خلال التخفيف من حدة التغير المناخي أي تخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بقيمة 3,6 بليون طن . كما خفضت حصة الفحم من نسبة استهلاك الطاقة من 72 بالمائة الى 64 بالمائة. دون ان ننسى القدرة الإنتاجية للطاقات المتجددة والطاقات الكهرومائية . مما جعلها تتصدر العالم في الطاقات المتجددة.
حسب رئيسها الحالي “تتعهد الصين بالوصول الى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع حلول 2030” ومن المتوقع ان تزيد المهن الخضراء والاستثمارات الذكية في السوق الصينية وبالتالي بناء سوق تبادل لانبعاثات الكربون يتميز بالتناغم بين الانسان والطبيعة.
” ان بناء مجتمع مع مستقبل مشترك للبشرية هو بناء عالم نظيف وجميل وبهذا الأسلوب ستتكامل الصين الجميلة مع ” العالم النظيف الجميل”.