فيلم “جاد” التونسي: مرآة للواقع الصحي والاجتماعي المتردي وتفكيك رمزي لمنظومة قيم سائدة

قراءة ناجح الزغدودي

اليوم شاهدت فيلم “جاد” للمخرج التونسي جميل النجار (2025) في عرض بسينما دار القيروان، خلاصة تحليل المشاهدة هي أن باختصار، فيلم “جاد” ليس فيلماً عن المرض فحسب، بل هو فيلم عن الإنسانية والقيم المفقودة في دهاليز البيروقراطية والإهمال والمتاجرة في الانسان، وعن قوة الصمود في وجه نظام يخذل مواطنيه، مقدما رسائل قوية بلمسة سينمائية فنية راقية.

الاسم جاد اولا هو احالة الى الطبيب الانسان جاد الهنشيري، الذي عرفه الاطباء والناس من خلال ضميره الحي في المطالبة باصلاح قطاع الصحة ونقل عدة مشاغل من خلال محاولات اصلاح وتطوير قبل ان يعثر عليه مفارقا الحياة وحيدا في منزله.

جاد هو عمل هو عمل سينمائي جاد بضيغة الروائي الطويل صور بطريقة فنية عالية الجودة والتقنية ويوظف تقنيات التصوير لتقديم مشاهد حقيقية متصلة مثل الاتصال بالواقع.

الفيلم، عن قطاع الصحة في تونس كقطاع حيوي، ويُعد بمثابة صرخة فنية وإنسانية تسلط الضوء على الوضع المتردي للقطاع الصحي العمومي في تونس كما يقول المخرج جميل النجار ويقول النقاد.

الفيلم، بدا كانه توثيقي واقعي او نقل مباشر من مستشفى الرحمة الذي غابت فيه الرحمة كما غابت فيه الحياة والاخلاق.

 وهو مستوحى من قصة حقيقية وان لم تكن حقيقية فهي واقعية ويلمسها المواطن، او كل مواطن كلما زار المستشفى لاي غرض علاجي. لا يكتفي الفيلم بالسرد الدرامي بل يغوص في الأبعاد الاجتماعية والرمزية والسياسية للقضية، مستحضرا جوانب اجتماعية من قبيل التناقضات الاجتماعية بين الغني والفقير والتناقضات الاخلاقية (ممرضة متدينة شكليا لكنها متورطة في الفساد) جاعلاً منه مرآة عاكسة لمعاناة المواطن العادي في مواجهة فشل المؤسسات والسياسات الصحية وتعالي سلطات القرار عن الواقع مقابل التسويق الاعلامي عن نجاحات وكفاءات عالمية مقابل حالة فراغ قيمي وهشاشة ادارية وسياسية من خلال رمزية التعيينات.

 المضمون والارتباط بالواقع الصحي التونسي

تدور أحداث الفيلم حول شخصية (أحمد)، الشاب الطموح ورجل الأعمال، الذي يتعرض لحادث مرور على احدى الطرقات. وينقله الحادث من حياة الرفاه الاجتماعي الى واقع صحي مرير وقاسي بالمستشفيات التونسية والمتمثل في منظومة صحية تعاني من الإهمال والمشاكل البنيوية والاخلاقية والقانونية.

ينقل الفيلم تفاصيل دقيقة عن ممارسات غير قانونية ولا اخلاقية تبدأ من لحظة الحادث مرور بقسم الاستعجالي وصولا الى قسم الانعاش وفي الخارج اسرته التي تواجه جملة من ممارسات السمسرة والابتزاز.

ومن حول أحمد المصاب وقاعة الانعاش والمستشفى، مشاهد بانورامية لقضايا اجتماعية متوعة متعلة بمسائل جندرية وبيئية وانسانية ومفارقات متمثلة في مشهد المصحة الخاصة والالوان خضراء الهادئة خلال زيارة شقيق أحمد لزوجته التي ولدت ابنه “يحي” وهو اسم يرمز للحياة هناك التي كشفت حجم الكارثة بصورة عكسية موازية لوضع المستشفى العمومي الذي يرمز من خلال كثرة مشاهد اللون الاحمر الى الدماء والموت. وسط تكرار لعبارة كلينيك في اكثر من مرة لعائلة أحمد القادرة على ايوائه المصحة الخاصة

 الفيلم مستوحى من قصة حقيقية عاشها المنتج، ما يضفي عليه مصداقية وصدقًا في تصوير معاناة المواطنين اليومية داخل أروقة المستشفيات العمومية. وهي طريقة تصويرية للواقع من منظور البناء الاجتماعي للواقع.

لا يدين الفيلم الصحة العمومية ولا يدينه، بقدر ما يوجه لوما ناعما وقد ثمن ادوار اجتماعية جيدة مقابل اظهار سلوكيات بعض الشخصيات مثل شخصية “حقنة” في شكل مقزز ومقرف (مشهد تلهفه في اكل سندوتش يعبر عن تلهقه في افتراس الضحايا وابتزازههم ومكان عمله غير اللائق بعون صحة.

ما يوجه ادانة لطيفة لفشل المؤسسات العمومية في توفير الرعاية الصحية اللائقة، مجسداً حالة اليأس والإحباط التي تسيطر على الأفراد عند اصطدامهم بالبيروقراطية ونقص الموارد مقابل عجز الافراد من مرضى واسر المرضى في اصلاح الوضع.

ومن خلال تكريم فقيد الصحة (جاد) سُمي الفيلم “جاد” تكريماً لروح الطبيب الشاب جاد الهنشيري، مما يشير إلى أن القضية تتجاوز مجرد معاناة المريض لتشمل مشاكل الأطباء الشباب ووضعية المستشفيات بشكل عام وتعبر عن وجود وضع سائد من خلال مشهد عريض للمقبرة وبها عدد كبيرمن العبور.

الأبعاد الاجتماعية والسياسية

يتجاوز الفيلم الجانب الصحي ليصبح مرآة للوعي الجماعي ومحفزا للنقاش الاجتماعي والسياسي. وهو مشهد قابل للقياس ويفتح المجال أمام الخيال الاجتماعي حول قطاعات أخرى خدمية حيوية.

يشكل الفيلم نقدا ضمنيا للسياسات العامة التي أدت إلى هذا التردي، فهو يتناول علاقة المواطن بـالمؤسسات العمومية مقابل نظرة للمصحات الخاصة، وما يرافقها من تحديات.

حصول الفيلم على “جائزة الجمهور” في مهرجانات عربية يدل على تفاعل الجمهور الكبير معه، ما يؤكد أن “جاد” ليس مجرد عمل فني، بل هو “صوت لقضايا راهنة” تمس حياة الناس بشكل مباشر، ويأمل المخرج أن يكون الفيلم سبباً في تغيير شيء في قطاع الصحة من خلال جعلها قضية راي عام متداولة ومحل نقاش.

الفيلم يقترب كثيرا من الفيلم الوثائي في نقل واقع مباشر ويقتبر من العمل الصحفي الاستقصائي.

من الطريف ان عرضه في القيروان حضره عدد من اعوان الصحة. جميلة النقازي ممرضة رئيس بالقيروان اكدت انها بكت من المشاهد التي شاهدتها واكدت في النقاش انما تم عرضه جزء ضئيل من واقع الصحة العمومية. في حين تحدثت سيدة قالت انها أم لطبيبين وتتابع معانتها في العمل بسبب نقائص في التجهيزات والمعدات والموارد البشرية.

جمهور القيروان ناقش عدة جوانب فنية ورمزية ولكن تحدثوا عن واقية الفيلم ونقله لواقع صحي عاشه الجميع خصوصا خلال جائحة كورونا في مستشفيات الجهة.

عرض الفيلم بسينما دار القيروان، فتح النقاش حول فيلم تونسي مهم واحد علامات تطور السينما التونسية على يد مبدعين شبان من المخرجين والتقنيينن والممثلين. وتمثل دار السينما بالقيروان فضاء سينمئيا تجديديا بدوره اعاد الى الذاكرة الجماعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *