المهندس عماد سعد: خبير الاستدامة والمسؤولية المجتمعية والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة ابوظبي
من حيث المبدأ الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence) هو فرع من علوم الحوسبة يُعنى بتصميم أنظمة تستطيع “محاكاة” قدرات الإنسان الذهنية مثل التعلم، التنبؤ، اتخاذ القرار، والتفاعل مع البيئة.
والذكاء الاصطناعي في السياق البيئي والزراعي هو توظيف تقنيات تحليل البيانات المتقدمة، والتعلم الآلي، والرؤية الحاسوبية، والمعالجة اللغوية في مراقبة النظم البيئية، وإدارة الموارد الطبيعية، وتحسين الإنتاج الزراعي بطريقة مستدامة وذكية مناخيًا.
ما هي العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والبيئة:
في عصر الأزمات البيئية المتفاقمة – من تغيّر مناخي وتصحر وفقدان تنوّع بيولوجي – لم يعد بالإمكان الاعتماد على الطرق التقليدية وحدها لحماية الكوكب. وهنا، يظهر الذكاء الاصطناعي (AI) ليس كترف تقني، بل كأداة حيوية في يد العلماء وصُنّاع القرار لتحقيق ما يُعرف بـ”الاستدامة البيئية الذكية”.
فالذكاء الاصطناعي يُسهم في تعزيز الاستدامة من خلال: تحليل البيانات البيئية الضخمة بدقة وسرعة. توقّع التغيرات البيئية المستقبلية. تحسين كفاءة الموارد الطبيعية. دعم اتخاذ القرار البيئي المستنير. ==……….
كيف يخدم الذكاء الاصطناعي الاستدامة البيئية؟
– تحليل البيانات البيئية المعقدة (Big Environmental Data)
النظم البيئية تنتج كميات هائلة من البيانات: أقمار صناعية، محطات رصد، أجهزة استشعار. الذكاء الاصطناعي، وخاصة خوارزميات التعلم الآلي (Machine Learning)، قادرة على تحليل هذه البيانات لاكتشاف الأنماط والتغيرات الدقيقة في: جودة الهواء والماء، صحة الغابات، مؤشرات التصحر أو الفيضانات.
– التنبؤ بالأزمات البيئية قبل وقوعها
الذكاء الاصطناعي يُستخدم في بناء نماذج تنبؤية لتغير المناخ المحلي، أو احتمالية اندلاع حرائق الغابات، أو تلوّث المياه.
خوارزميات شبكات الذاكرة طويلة المدى، مثل (LSTM) تُحلّل البيانات الزمنية وتتوقّع الظواهر البيئية.
– إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة أعلى
في الزراعة الذكية (Smart Agriculture)، يُستخدم (AI) لتقليل استخدام المبيدات والمياه. في المناطق الرطبة، يمكن لـ (AI) مراقبة تدفّق المياه، وتوقّع الجفاف، وتحسين توزيع المياه بيئيًا.
4– حماية التنوع البيولوجي
تُستخدم تقنيات الرؤية الحاسوبية (Computer Vision) لتحليل صور الطائرات المسيّرة (drones) وكاميرات المراقبة لرصد الأنواع المهددة بالانقراض أو التعديات غير القانونية على المحميات الطبيعية. بعض النماذج تفرّق بين أنواع الطيور أو الزواحف بدقة تفوق العين البشرية.
– تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات
في المدن والمباني الذكية، يُستخدم (AI) لإدارة الطاقة وتقليل الفاقد والانبعاثات الكربونية. هذا يندرج ضمن مفهوم “الاستدامة المناخية بالذكاء الاصطناعي”. خلاصة: الذكاء الاصطناعي لا يُغيّر فقط طريقة فهمنا للطبيعة، بل يُعيد رسم علاقتنا بها. إنه أداة تكنولوجية تُسهم في تحقيق عدالة بيئية، وكفاءة مستدامة، وحماية حقيقية للأرض وللأجيال القادمة.
الذكاء الاصطناعي وأهداف التنمية المستدامة (SDGs)
الذكاء الاصطناعي (AI) لم يعد مجرد أداة تحليل، بل تَحَوَّلَ إلى قوة تنفيذية تساعد الدول والمنظمات على تحقيق مؤشرات أهداف التنمية المستدامة (SDGs) من خلال: رصد الأداء البيئي والاجتماعي بدقة. توجيه السياسات بشكل ديناميكي بناءً على البيانات الحية. خفض التكاليف وتحسين الاستجابة للأزمات.
الذكاء الاصطناعي وأهداف التنمية المستدامة (SDGs)
. الهدف (6) المياه النظيفة والصرف الصحي
🔹 يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بـ: تحليل بيانات أجهزة الاستشعار عن جودة المياه في الأنهار والآبار.
التنبؤ بمصادر التلوث ووقت حدوثه. إدارة شبكات توزيع المياه بكفاءة (Smart Water Grids). باستخدام الأدوات التالية مثل: انترنت الأشياء Internet of Things(IoT) و (AI) وغيرها.
. الهدف (7) طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
🔹 يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بـ: التنبؤ بأحمال الشبكة الكهربائية بناءً على سلوك المستخدم. تحسين توزيع الطاقة الشمسية والرياح في الشبكات الذكية. تقليل الفاقد في التوليد والنقل. باستخدام الأدوات التالية مثل: تقنية إدارة الأحمال (Reinforcement Learning) وتنبأت إنتاج الطاقة المتجددة (Predictive Analytics)
. الهدف (11) مدن ومجتمعات مستدامة
🔹 يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بـ: إدارة حركة المرور وتقليل الانبعاثات. مراقبة جودة الهواء في الوقت الحقيقي. دعم التخطيط الحضري البيئي عبر النماذج الرقمية (Urban Digital Twins). باستخدام أدوات: (AI + GIS) نظم المعلومات الجغرافية في مراقبة الكثافة السكانية والعشوائيات
. الهدف (13) العمل من أجل المناخ
🔹 يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بـ: تحليل بيانات الأقمار الصناعية لمراقبة غازات الدفيئة. التنبؤ بالطقس المتطرف والكوارث البيئية. تطوير نماذج المحاكاة المناخية الدقيقة (Climate Modeling). باستخدام الأدوات التالية مثل: (Google DeepMind + Climate TRACE) ومبادرة الأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي من أجل العمل المناخي (UN AI for Climate Action Initiative).
. الهدف (14) الحياة تحت الماء
🔹 يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بـ: رصد صحة الشعاب المرجانية من الصور الجوية. تحليل الأصوات تحت الماء لتتبع الكائنات البحرية. مكافحة الصيد غير المشروع عبر صور الأقمار الصناعية + التعلُّم العميق. باستخدام التطبيقات مثل: شبكة المرجان التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA CoralNet) + (OceanMind AI Tools)
. الهدف (15) الحياة على اليابسة
🔹 يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بـ: تتبع إزالة الغابات (Deforestation Detection) بالذكاء الاصطناعي. تحديد الأنواع المهددة باستخدام الصور الصوتية والمرئية. التنبؤ بالتعديات البشرية على المحميات. باستخدام الأدوات التالية مثل: (Google Earth Engine + TensorFlow) + (Microsoft AI for Earth).
أمثلة واقعية:
برنامج AI for Earth من Microsoft يدعم أكثر من 300 مشروع بيئي باستخدام الذكاء الاصطناعي.
منصة Climate TRACE (بقيادة Al Gore) تستخدم الذكاء الاصطناعي لتتبع الانبعاثات الصناعية حول العالم بدقة.
كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تعريف طرق المراقبة، والإنذار المبكر؟
–مشروع مراقبة الغابات العالمية (Global Forest Watch)
يستخدم (AI) لتحليل صور الأقمار الصناعية لرصد إزالة الغابات أسبوعيًا.
Global Forest Watch (GFW) : هي منصة تفاعلية عبر الإنترنت لمراقبة الغابات والتنبيه بها، تمكّن المستخدمين من الوصول إلى معلومات حول الغابات وإدارتها وحمايتها. تستخدم أحدث التقنيات والبيانات لتوفير معلومات حول حالة الغابات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك التنبيهات حول المناطق التي تشهد فقدانًا لغطاء الأشجار.
ب. التخطيط البيئي الذكي (Smart Environmental Planning)
نماذج المحاكاة للتوسع العمراني وتأثيره على الموائل. تصميم محميات افتراضية مثالية بناءً على بيانات الذكاء الاصطناعي. نماذج تنبؤية للتنوع البيولوجي وتوزيع الأنواع النادرة مستقبلًا
مثال تطبيقي: كندا تستخدم الذكاء الاصطناعي في “تصميم المحميات الذكية” لتقليل التداخل البشري مع النظم البيئية.
ج. الإنذار المبكر للحرائق (Early Warning Systems)
كشف الحرائق مبكرًا من صور الأقمار الصناعية اعتماداً على أنماط الدخان والحرارة. توقع موجات الجفاف أو الفيضانات من تحليل سلاسل زمنية لبيانات المطر والتربة. نظام تحذير تلقائي عند حدوث تغيّرات غير طبيعية في مياه المستنقعات والأنهار.
مثال تطبيقي: نظام FLIERS (Forest Fire Early Response System) في أوروبا – يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الحرارة والرطوبة والتنبؤ بالحريق قبل اندلاعه.


