أيّة دلالات للتغير المناخي في تونس؟

 بقلم عيسى زيادية

تشهد تونس حاليا مشاكل حقيقية بسبب التغير المناخي، وقد باتت عرضة  لانعاكاسات أكيدة على مجالات العمل المختلفة، والأدوات التي سنحتاجها للتأقلم مع تلك التغيرات. الغريب أننا عندما نفكر في التغير المناخي لا نخرج من دائرة الاستتباعات البيئية، والمشاكل المتعلقة بها مثل ارتفاع مستوى البحر، درجات الحرارة، أو ذوبان الأنهار الجليدية.  وتظهر التجربة في أماكن أخرى من العالم، مثل  الولايات المتحدة أو الصين، حيث تنسحب تحولات المناخ واضطرابات الظواهر الطبيعية على حياة البشر في أكثر من مكان.

وفي تونس كما هناك ، صرنا مطالبين بتبني سياسات وطرق بناء وتخطيط تستجيب لتحولات الطقس وارتفاع مستوى البحر وكميات الامطار حتى نخفف من حدة ما نحياه اليوم وما سنعيشه في العقود القليلة القادمة، من زحف البحر على اليابسة وقوة الفياضانات وتهديدات رمال الصحراء ووطأة درجات الحرارة المرتفعة.

وعلى الرغم من خطورة القادم إلا أن الخبراء يقرون بأننا لم نتحدث إلا عن شجرة من غابة، إذ أن الآثار المتعلقة بتغير المناخ ستمس كل شيء من حولنا، بداية من قطاع البنوك والنقل وصولا إلى المؤسسات الصحية والتجارية.

وبالتالي فإن مسؤولي التخطيط في المجالس البلدية المنتخبة حديثا يجب أن يتبنوا إطارا نظريا للتخطيط يشمل مختلف جوانب الحياة ويتعدى مستوى التهيئة العمرانية للمدن، لضمان سيطرة الإنسان على مجريات الحياة من حوله وقدرته على الخروج دون أضرار.

فمن المرجح أن تتأثر أعمال رجال الصحة والمالية والقانون والأطباء والفلاحون والبحارون وجميع المهن  في تونس، نتيجة التغير المناخي الذي نشترك جميعا في صناعته. في الايام الماضي توصل “تقرير المخاطر العالمية”، الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يجمع تقييمات من 750 عالما وخبيرا، إلى أن أحد أكبر خمسة مخاطر يواجهها العالم هي أسلحة الدمار الشامل.

 

أما المخاطر الأربعة الأخرى، فتتعلق جميعها بالمناخ. وتتلخص تلك المخاطر في: تحول جذري في الطقس، أزمات مياه، كوارث طبيعية كبيرة، وفشل في التخفيف من حدة آثار التغيرات المناخية والتكيف معها.وبالرغم من حجم التحديات، التي تواجه تونس في مجموعة أكثر 20 بلدا تأثرا بالتغيرات المناخية لا نزال نحصر الاستتباعات في ازمة الامطار وقطاع الفلاحة وارتفاع سطح البحر في حين يغيب عنا السعي الى توفير وعي شامل، يمس مختلف القطاعات الوظيفية كبيع التجزئة والنقل والصحة.فمن المفترضان أن يؤدي إعصار في أوروبا أو اضطراب في حالة الطقس إلى نقص في إمدادات الأدوية في تونس أو شحن المواد الغذائية التونسية نحو اوروبا، مثلما هو الحال بالنسبة لشبكة اتصال الانترنت المرتبطة لدينا بأوروبا.

في حقيقة الامر التهديدات المناخية في علاقة بمجال النقل البحري بدأت في الظهور، حيث تشير الاحصائيات الى ان مستوى البحر في ميناء صفاقس قد ارتفع مترا واحدا خلال العقود الماضي وهو يواصل الارتفاع الذي سيتضاعف في ظرف اقل بكثير في المستقبل حسب تأكيدات المختصين.

ويلاحظ أن الوعي المواطني في تونس حول مسألة تغير المناخ  لا يزال شبه غائب، فرغم سعي الحكومة منذ امضائها على اتنفاقية ريو دي جانيرو 1992 إلى الحد من أثاره على البلاد وحياة المواطن نلتفت لغياب الرقابة الذاتية لدى التونسيين.

وقد أثبتت دراسة وطنية تم إعدادها من قبل مصالح وزارة البيئة والتنمية المستديمة حول التغيرات المناخية، أن تواصل ارتفاع معدلات درجات الحرارة بالمستوى الحالي، وحسب السيناريو الأقصى المحتمل، أن مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن أن تتعرض الى انجراف بحري ونقص في الخصوبة بدلتا وادي مجردة،كما توقعت ذات الدراسة أن تتحول أكثر من 10 سباخ إلى بحيرات تمسح 730 هكتارا، محاطة بمناطق رطبة تناهز مساحتها 730 هكتارا بمجموعة من السباخ الساحلية للوطن القبلي.

المشكلة في تونس والتي يقرها المراقبون أن صناع القرار لا يفكرون سوى في حلول المدى القريب وانتهاج سياسة تسكين الأوجاع التي تتركز حاليا حول توفير مياه الشرب وتخفيض استهلاك الوقود الأحفوري ذو التكلفة العالية، في حين تغيب خطط المدى البعيد، مثل التفكير في إنقاذ السواحل من الغرق وتطوير الموانئ والاستعداد لمواسم الحرّ.

من المهم أن نفهم اليوم  أن تغير المناخ في تونس لا يهدد الأمن الغذائي فحسب عبر اكتساح الرمال للأراضي الصحراوية وجفاف التربة،  بل يتعداه إلى الجانب الصحي حيث أن ترسبات برك المياه على السواحل الغارقة وارتفاع درجات الحرارة ستعمل كمغذيات للفيروسات والاوبئة التي تنتعش في هذه البيئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *