بقلم مريم بن عيسى
لقد بدأ مصطلح الإعلام البيئي بالبروز منذ عقد السبعينات في القرن الماضي بعد ما عرفته المنظومات الإيكولوجية والموارد الطبيعية من إستنزافات و إستعمال مفرط خاصة في البلدان الصناعية التي انغمست في أنماط إنتاجية واستهلاكية لا تراعي الطبيعة وقدرتها على التجديد و الاحتمال. وقد زاد هذا الدفع في تفاقم التلوث وماله من انعكاسات سلبية في التوازنات البيئية وصحة الإنسان.
و في بداية رد الفعل على هذه الانتهاكات و التجاوزات الصارخة للبيئة، كان العمل التو عوي الموجه للجماهير محدودا ويقتصر على أصوات بعض الجمعيات الإيكولوجية في أمريكا وأوروبا وحناجر بعض العلماء اللذين حاولوا إبراز مخاطر الممارسات البشرية على البيئة وتوازناتها على غرار كتاب “الربيع الصامت” للعالمة الأمريكية “راشال كرسون”
ومن هنا يمكن القول بأن الإعلام البيئي بدأ في لبنته الأولى يتحسس طريقه باعتماد الإثارة والخبر الذي ربما يفتقد للدقة و الوضوح. ومع تزايد الضغوطات الاجتماعية و الاقتصادية على البيئة ازدادت الحاجة الى فهم العلاقة التأثيرية بين أنماط الإنتاج والاستهلاك و سلوك أفراد المجتمع في حياتهم اليومية من جانب وقدرة البيئة على استيعاب وتحمل مخرجات النشاط البشري في كل أوجهها و إيجاد توازناتها من جانب اخر.
و بالإضافة إلى التربية و التعليم البيئي ونشر الثقافة البيئية يبقى الإعلام البيئي أحد أهم مرتكزات التوعية البيئية حيث يساهم في بناء رقي الوعي البيئي ونشر مفهوم التنمية المستدامة ويكون قادرا على أن يلامس ويخاطب كل الناس من خلال عدة وسائل وتقنيات وأساليب، فأي إعلام بيئي نريد؟
الحاجة إلى إعلام بيئي مختص تزداد يوما بعد يوم حيث تبرز أهميته عبر القضايا البيئية المطروحة سواء عالميا أو إقليميا أو وطنيا على غرار التصحر والتغيرات المناخية و إنجراف التنوع البيولوجي وتفاقم تلوث الهواء والمياه والتربة وتراكم النفايات وما ينجر عن كل هذا من تأثيرات على الصحة وعلى تنمية الأجيال الحاضرة والقادمة.
فالمواطن يرغب في إعلام بيئي يوفر له المعلومات مستندا في ذلك إلى العلم والمعرفة تجعله قادرا على التعامل مع البيئة بصورة مستمرة وثابتة مما يساهم في ترشيد سلوكه مع محيطه.
كما للإعلام البيئي دورا في الدفع نحو الإعتراف بالحق في بيئة سليمة مثلما جاءت به الإتفاقيات الدولية لحماية البيئة و الدساتير والقوانين الوطنية ، وهو حق لا يقل أهمية عن الحق في حياة اجتماعية وإقتصادية وسياسية أفضل. وهنا تبرز أهمية إعتبار الهم البيئي ضمن الاهتمامات الرئيسية لكل منوال تنموي وعنصرا أساسيا في القرار السياسي.
يبقى الإعلام عموما والإعلام البيئي خصوصا مسؤولا أمام المواطن ولا تقل مسؤوليته عن المؤسسات المختصة لأنه يعتبر أول وأخر مصدر للمعرفة و للمعلومة لعموم الناس وحاضرا لكشف التجاوزات البيئية وتنوير الرأي العام بالمخاطر.