بقلم سعيدة الزمزمي
استفاق التونسيون مع دخول إجراءات الحجر الصحي حيز التنفيذ اواسط شهر مارس 2020، على سلسلة من أخبار انتهاكات واعتداءات جسيمة على الملك العمومي الغابي وتعمد بعض العصابات قطع مئات الأشجار بعضها من الأشجار النادرة المهددة بالانقراض كشجر الزان بمنطقة عين دراهم. ووفق البلاغات الصادرة عن وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، فان غابات ولاية زغوان وجندوبة وسليانة كانت مسرحا لهذه الاعتداءات الجسيمة والتي بلغت في إحدى الاعتداءات قطع 400 شجرة غابية.
تأتي هذه الوقائع لتكشف لنا خطورة ما تتعرض له المنظومة الإيكولوجية الغابية من تهديد هو بصدد التنامي من سنة إلى أخرى ويكفي مراجعة بسيطة المساحات الغابية التي فقدتها البلاد على مر السنوات. فقد كانت المساحة الإجمالية للأراضي الغابية تقدر 5.6 مليون هكتار، أي ما يعادل 34% من المساحة الإجمالية للبلاد ثم أضحت اليوم في تراجع ملحوظ. ولا شك أن هذا التراجع له تداعيات مباشرة على تراجع التنوع البيولوجي بهذه المساحات، فلئن فقدت غابات البلاد التونسية مطلع القرن العشرين بعض الحيوانات كالأسد أو النمر وتم القضاء النهائي عليها، فإن تراجع المساحات الغابية وتكرر الاعتداءات المجانية عليها سيفقدها ما بقي فيها من أنواع الحيوانات والسلالات النباتية الغابية وهي خسارة غير قابلة للتدارك او التعويض. والسؤال الذي يتبادر إلى حماة البيئة والمحافظة على ثروة البلاد من الأنواع البيولوجية، هل بالامكان وضع حد لهذا النسق العالي من الاعتداءات؟ ما هي الإجراءات العملية التي ستتخذها وزارة الفلاحة ووزارة البيئة لوضع حد لمثل هذه الجرائم في حق المنظومات الطبيعية والبيئية بمختلف أنواعها ومواقعها؟
صحيح أن الوزارتين استنكرتا بشدة ما تم من اعتداءات وعبرتا عن «التمسك مع جميع هياكلها بمحاسبة جميع المخالفين من خلال تحميلهم لكامل مسؤولياتهم وتسليط العقوبات المُستوجبة بحقهم على قدر الجرائم المُرتكبة بما يهدف تكرّر منع مثل هذه التجاوزات». طبعا هي نوايا حسنة ولكن خطورة الجرائم والتداعيات الخطيرة على الثروة النباتية والحيوانية يستدعي في تقديرنا إجراءات فورية في مقدمتها الرفع من عدد المراقبين وحراس الغابات وتعزيز قدراتهم اللوجستية من سيارات رباعية الدفع ومن تجهيزات استكشاف.
كما يستدعي مبادرة وزارة البيئة إلى القيام بحملة توعية في صفوف الأعوان والمواطنين على حد سواء لبيان أهمية المحافظة على الثروة الغابية باعتبارها وحدة ايكولوجية ضامنة لاستمرار حياة مئات السلالات البيولوجية. باعتبارها أيضا ثروة تساهم في توفير مداخيل لآلاف العائلات التونسية عبر مشاريع غابية صغرى كتربية النحل والتقطير وغيرها من الاستعمالات.
يذكر أن الغابة درعا ضد التغيرات المناخية حيث تحد من الاحتباس الحراري وتحمي التربة من الانجراف بالإضافة إلى ما توفره من تنوع بيولوجي. فهي تزخر بالثروات الحيوانية والنباتية كالإكليل والزعتر والزقوقو … وهو ما يعزز الامن الغذائي من جهة وينشط التوازن البيئي من جهة أخرى.