–
المهندس عماد سعد: خبير الاستدامة والمسؤولية المجتمعية والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة ابوظبي
في عالم يشهد تحديات بيئية متزايدة، تعلب المدارس دوراً حاسماً في غرس قيم الاستدامة لدى الأجيال القادمة، وليس من خلال المناهج الدراسية فحسب، بل عبر تحويل مدارسنا إلى بيئات تعليمية صيقة للبيئة، من خلال العديد من الأمور التي تعزز دور المدارس في بناء مجتمعات مستدامة وخلق مستقبل أفضل لكوبنا.
مما لا شك فيه تعتبر المدرسة هي الجناح الثاني – بعد المنزل- الذي يحلق به الطفل في مرحلة بناء قدرات ومهارات الإنسان بشكل عام من أجل أن يكون حجر أساس طيب في بناء وتنمية المجتمع والكوكب، كما يقول المثل “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”، كما أن التحديات البيئية بشكل عام والتغيرات المناخية بشكل خاص باتت قضية عابرة للحدود ولا يوجد دولة في العالم في منأى عن تأثيرات تلك التحديات بغض النظر عن حجم الأثر الناتج عن هذه الدولة أو تلك، إلا أن جميع سكان الكوكب باتو يدفعون ثمن السياسات الاقتصادية الجائرة على الكوكب، ما ترك أثره البعيد على نمط العيش لسكان هذا الكوكب، ما استوجب على المجتمعات والحكومات جميعاً إعادة النظر في التشريعات والبرامج والسياسات من أجدل رفع مستوى الوعي البيئي على كافة المستويات وصولاً لمجتمع مسؤول ومستدام. من هنا تأتي أهمية التربية البيئية في مرحلة التعليم الأساسي من خلال ما يسمى بالمدارس صديقة البيئة أو المدارس المستدامة.
ومن المعروف أن بناء المجتمع يرتكز على التربية في المنزل والتعليم في المدرسة، فتمكين الطفل من المعارف البيئية بشكل عملي أمر ضروري جداً باستخدام طرق تعليمية قريبة من الطفل مثل التعليم باللعب والقيادة بالقدوة وغيرها إلا أن مما لا شك فيه أن السلوك المسؤول يساوي دائماً نجاح مستدام. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال البيت والمدرسة على حد سواء.
توجد عدد من التحديات التي ترافق المدارس في تطبيق المبادرات صديقة للبيئة أولها ضعف الكوادر العلمية المتخصصة، وقلة المناهج التعليمية التي تكرس الثقافة البيئية كمنهج حياة وليست معلومات للحفظ فقط، إلى جانب غياب التشريعات التي تلزم المدارس على تطبيق الممارسات الصديقة للبيئة من خلال المبادرات. أما عن التغلب على تلك التحديات فهي تبدأ بتطوير التشريعات والسياسات وسن القوانين الملزمة في تطبيق مناهج تعليم صديقة للبيئة بالقطاع المدرسي، إلى جانب تأهيل الكوادر العلمية في المدارس وتوفير المناهج التعليمية مستفيدين من التقنيات الحديثة.
التقنيات الحديثة كثيرة وكل يوم نحن أمام أداة جديدة من أدوات الثورة الصناعية الرابعة (تقنية المعلومات) وجميعها بدون استثناء يمكن توظيفها واستثمارها لرفع مستوى الوعي البيئي لدى كافة فئات المجتمع، ورفع درجة التزامه بالتطبيقات الخضراء وفق أفضل الممارسات الدولية. فعلى سبيل المثال لدينا مئات التطبيقات (ابلكيشين) الخاص بالتربية البيئية او التغير المناخي او التنوع البيولوجي وغيرها، وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم العام والبيئي على وجه الخصوص. وهذا يتطلب وجود بنية تحتية قوية من الاتصالات والأجهزة الذكية بين يدي الطالب والمعلم والمدرسة على حد سواء.
وعلينا تفعيل دور الطلاب والمعلمين في تحسين الاستدامة في المدارس من خلال أنشطة بسيطة، من خلال التركيز على تطبيق مثلث الترشيد (ترشيد الطاقة، ترشيد الماء، فرز وتدوير النفايات) لأن كل فرد من افراد المجتمع من مختلف الاعمار له علاقة مباشرة وبشكل يومي باستهلاك الطاقة والمياه وإنتاج النفايات، وعليه لو ركزنا في المدرسة (طلاب، مدرسين، إداريين) على الإجراءات الخاصة بمثلث الترشيد نكون قد حققنا الشيء الكثير من معايير التنمية المستدامة بأقل جهد ممكن.
هناك طرق كثيرة تساعد الطلبة على تطبيقات مثلث الترشيد (تقليل النفايات، وترشيد استهلاك الطاقة والمياه) من بينها تعديل نظام استهلاك الطاقة والمياه بالمدرسة عبر وضع حساسات تساعد في إنارة مصابيح الطاقة بمجرد وجود شخص داخل القاعة وإطفاء النور مباشرة بعد خروج الطلبة من القاعة، كذلك الامر وضع مرشحات او فلاتر خاصة على صنابير المياه تساعد في وجود تدفق جيد للمياه مع أقل كمية من الترشيد تصل إلى 90 % في بعض الحالات، أما فيما يخص تقليل استهلاك الورق فلدينا أدوات كثير من بينها التعليم الالكتروني وحل الواجبات اليومية بطريقة الكترونية وغيرها من الأدوات التي تساعد في تطبيق مثلث الترشيد.
من بين الأدوات المستخدمة في تمكين الطلبة من مفهوم فرز وتدوير النفايات في المصدر هو تحفيز الطلبة على القاعدة الذهبية لتقليل النفايات ألا وهي (3R) أي تقليل الاستهلاك، وإعادة الاستخدام ومن ثم إعادة التدوير، هنا يظهر مقدرة الطالب وإبداعه في إنتاج أشياء مبتكرة وذات قيمة مضافة من أي نوع من أنوع النفايات سواء كانت النفايات البلاستيكية أو الورقية أو العضوية، بمعنى آخر لازم يكون لدينا في كل مدرسة مختبر خاص لفرز النفايات بالمصدر وإعادة استخدامها وتدوير. علماً بأن الطلبة وخصوصاً الأطفال منهم يملكون القدر الكبير من الخيال الذي يمكنهم من ابتكار منتجات مفيدة وحلول مبتكرة.


