إن قادة العالم وهم يجتمعون في واشنطن سيصابون بالفزع لوتذكروا إننا نواجه أزمتين: الأزمة المالية العالمية وهي أعجل الأزمات والأزمة الأدوم أجلا وهي تغير المناخ. وأهمية الأزمة الأولى ليس بمبرر لإهمال الأخرى. بل على العكس إنها فرصة للعمل على الأزمتين.
ويجب أن نضع تلك الأفكار السائدة جانبا وهي: إن العلم واضح فيما يتعلق بتغير المناخ، وإن كل يوم يمردون اتخاذ إجراء يضاعف المشكلة، وإن التصدي للاحترار العالمي أمر لا مفر منه. ودعونا بدلا من ذلك نعرض الحالة من وجهة نظر إقتصادية عملية بحتة.
إنا لنموالعالميفي تباطؤ . والميزانياتتتقلص. وستقلعلىالأرجحالمواردالمتاحة لنا لمواجهة جدول أعمال المشاكل العالمية التي تزداد تعقيدا . فما هي الخطوات التييمكننااتخاذهالخلقوظائفوتحفيز النمو؟وكيفنضمنإمدادات الطاقة بأسعار في المتناول؟ وما هو الإجراء الذي يمكننا اتخاذه لحماية النظام المالي العالمي ليكون بمعزل عن الهزات المتكررة والفقاعات الدورية، بحيث تتمكن شعوب جميع الدول من التمتع بما وُعدت به من تنمية ومن العيش في أمن اقتصادي؟
ويكمن الحل في إيجاد حلول مشتركة للتحديات الخطيرة التي تواجهنا. و عندما يتعلق الأمر بتحديين من أخطر التحديات، و هما الأزمة المالية وتغير المناخ، فإن الحل يكمن في الإقتصاد الأخضر. وإذا كانت طريقة معيشتنا مهددة،فالرد هو التكيف. ويتفق العلماء على أنه علينا بالقيام بثورة خضراء لمواجهة تغير المناخ، وتغير كلي في الطريقة التي نمد بها علماءنا بأسباب القوة. ويتفقالاقتصاديون أيضا على أن أنجع صناعة تحقق النمو في العالم في الوقت الحالي هيا لطاقة المتجددة. ويشهدهذاالمجالبالفعلمولدوظائفالمستقبل،وتتحققفيهأكثرالابتكاراتالعلميةالتيستقودالحقبةالمقبلةمنالتحولالاقتصادي.
ويذكِّرنا الفلاسفةالعمليونبأنالغد يبدأ اليوم. ومن المؤكد أن مؤتمر القمة المالي الذي يعقد في عطلة نهاية هذا الأسبوع في العاصمة واشنطن هام للغاية. لكننا نواجه اختبارا لايقل أهمية في أوائل كديسمبر، عندما تجتمع الدول في بوزنانفيبولندا لحضور الجولة المقبلة للمفاوضات بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ. ويعقد هذا الاجتماع عند نقطة المنتصف لخريطة الطريق الصادرة في بالي، التي تم الاتفاق عليها بحماس بالغ في أندونيسيا في العام الماضي. ويهدف إلى تهيئة الساحة للتوصل إلى اتفاق في كوبنهاغن في ديسمبر من العام المقبل،عندما يجتمع قادة العالم للتفاوض بشأن اتفاق طموح وشامل عن تغير المناخ يمكن أن توافق عليه جميع الدول.
وفي بوزنان،سيجتمع وزراء البيئةوالمناخلأولمرةلوضعرؤيةطويلة الأجل للعملالتعاوني. ويلزمنا للتوصلإلى اتفاق في كوبنهاغن خطة عمل واضحة ذات أهداف محددة لتقليل الانبعاث والتكيف مع الآثار غير الملائمة لتغير المناخ. ويلزمنا هيكل مؤسسي متفق عليه،والتزام جاد وصندوق للتكيف،بل ويجب علينا قبل كل شيء،توفر الإرادة من جانب الدول النامية والمتقدمة النمو على السواء لكي تؤدي دورها. وسيكون التمويل عنصرا أساسيا. فلو إن البلدان النامية افتقرت إلى المواردالمالية والتكنولوجيات اللازمة للتحول إلى ”البيئةالخضراء“،لننتمكن من التصدي لتغير المناخ بشكل فعال.
ولا تتحول الأماني لقائيا إلىأفعال. وحتى نكون واضحين فإن ذلك يجسد
ما ترغبه شعوب العالم من قطاع الأعمال والمستثمرون والحكومات و جماعات المواطنين. وفي الواقع، فإننا بصدد تحقيق هذا بالفعل. وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الاستثمار العالمي في الطاقة التي لا تتسبب في أي انبعاث لغازات الدفيئة ستصل إلى 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2020، أي جزء كبير من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. و على نطاق العالم، يعمل نحو مليوني شخص في الصناعات الجديدة للطاقة الشمسية والطاقة المولدةمن الرياح،نصفهم في الصين وحدها. ويوفر برنامجا لوقود الإحيائي في البرازيل نحو مليون وظيفةسنويا. وفي ألمانيا،من المتوقع أن تتضاعف الاستثمارات في التكنولوجيا البيئية أربعة أضعاف على مدى الأعوام القادمة لتصل إلى 16 في المائة منالناتج الصناعي بحلول عام 2030 وليعملفيهاعدديجاوزعددمنيعملونفيصناعة السيارات.
وإننا لسنا بحاجة للانتظار إلى حين بروز تكنولوجيات جديدة. فالدراسات تظهر أن الولايات المتحدة يمكنها أن تقلل الانبعاثات الكربونية بقدر كبير بتكلفة منخفضة أو بلا تكلفة على الإطلاق،باستخدام المعارف الفنية الحالية. وللتدليل على ذلك،فلنمعنالنظرفيماحققتهالدانمركبتكريسقدر كبيرمناستثماراتهاللنموالأخضر. فقد زاد منذ عام 1980 الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 78 فيالمائة وذلك بزيادات طفيفة للغاية في استهلاك الطاقة. وتمكنت بولندا من تقليل الانبعاثات بنسبة الثلث على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية، حتى في ظل الازدهار الاقتصادي الذي حققته. وبالنسبة لقطاع الأعمال، فإن هذ الوفيرا تتترجم إلى أرباح. وحاليا،تتمتع الشركات الأوربية العاملة في قطاع التكنولوجيا الخضراء بمزايا ”الروادفي ذلك المجال“وتسيطر على ثُلث السوق العالمي البازغ للتكنولوجياتا لبيئية.
ويمكننا من خلال السياسات السليمة والحوافز المالية،ضمن إطارعمل عالمي،أن نوجه النمو الاقتصادي في اتجاه يكفل انخفاضا للانبعاثات الكربونية. فعن طريق السياسات السليمة والحوافز المناسبة، يمكننا أن نتكفل مساهمة الدول متقدمةالنمو والنامية على السواء في قضية التصدي للاحترار العالمي،كل بطريقتها، وبدون المساس بحقك لدولة في التنمية وفي تحقيق الرخاء الاقتصادي لمواطنيها.
ويدرك هذا الأمر مديرو الشركات الأقدر على استشراف المستقبل. وهذا هو أحد الأسباب وراء مطالبة رجال الأعمال في كثير من أرجاء العالم بسياسات واضحة ومتسقة بشأن تغير المناخ، أي سياسات عالمية لمشاكل عالمية. وفي هذا الصدد، فلنتفق على أن كلا لطرق تؤدي إلى روما. وسعى البعض في بوزنان،وبعد ذلك في كوبنهاغن، إلى وضع حدود صارمة للانبعاثات. بينما سيفضل آخرون أهدافا طوعية. وسيناقش آخرون مزايا وعيوب ”مقايضة الانبعاثات بحوافز اقتصادية“ في مقابل الضرائب والنظم لوطنية لحفظ البيئة. ويمكن أن يؤدي استثمار مايتراوح بين 17 إلى 30 بليوندولارسنوياإلىتقليلكمالانبعاثاتإلىالنصفبينمايزيدبشكلكبيرعددالوظائف المتصلة بحفظ البيئةفيالبلدانالمداريةمنقبيلإندونيسيا
ومعالأسف،فإنناليسبإمكانناأن نختار. فنحن نحتاج إلى جميع هذه السبل. بل وأكثر من ذلك،إننا سنحتاج إلى قيادة،ذات منظور مستنير عالمي،يقترن بالعمل والأزمة المالية العالمية التي نواجهها اليوم ماهي إلا دفعة تدعونا إلى الاستيقاظ من ثباتنا. وتتطلب حلولا ابتكارية تأخذ في الحسبان،إن التحديات الأكبر التي نواجهها كبشر يعيشون على الكرة الأرضية. وهي ليست دعوة لتأجيل ما يتعين علينا القيام به لحماية مستقبلنا. فليس أمامنا وقت نضيعه.