تثمين النفايات: المزرعة تحول فواضل الدواجن إلى أسمدة فلاحية ووقود حيوي للطائرات….

منذ الثّورة الصناعيّة في أوروبا في القرن الثّامن عشر ازدادت الصّناعات يوماً بعد يوم، ممّا أدّى إلى زيادة مُطّردة بكميّات النّفايات النّاتجة من الصّناعة. كما أنّ تزايد أعداد سكّان العالم وازدياد الكثافة السكانيّة في المدن والتطوّر الصناعيّ والتكنولوجيّ الهائل أدّى إلى زيادة كميّة الموادّ المُستهلَكة، والتي أدّت بدورها لإنتاج كميّات كبيرة من النّفايات الصّلبة

والسائلة بمُختلف أشكالها وأنواعها. وتعدّدت طرق الحكومات للتخلّص من هذه النّفايات؛ فمنهم من استخدم عمليّة الطّمر داخل الأرض، ومنهم من استخدم عمليّات الحرق، وآخرون استخدموا المكبّات المكشوفة للنّفايات دون حرقها أو طمرها، ومنهم من وجد في المُحيطات والبحار والأنهار مكاناً للنّفايات. كل الطّرق السّابقة تستنزف الكثير من الموارد الطبيعيّة والاقتصادية للأرض وتُشكّل عبئاً بيئياً كبيراً، ومن هنا برزت الحاجة المَاسَّة إلى إيجاد بدائل لتلك الطّرق، فكان الحلّ الأمثل هي عمليّة إعادة التّدوير للموادّ المُستهلَكة، سواءً كانت بلاستيك، أو زجاج، أو مطّاط، أو زيوت، أو أوراق، أو أيّة مادةٍ أُخرى صلبة أو سائلة.

وهنا ظهرت الحاجة الملحة لإعادة تدوير النّفايات بعمليّة مُعالجة للموادّ المُستهلكة، بحيث تُعاد إلى شّكلها الخام، لتُصنّع مرّة أخرى فيُعاد إستخدامها والإستفادة منها من جديد.

لهذه العملية فوائد بيئيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة كبيرة جدّاً، وتُعتبر أفضل طريقة على الإطلاق للتخلّص من النّفايات والحفاظ على سلامة البيئة والإنسان، لذلك، انتهجت كثير من المؤسسات الإقتصادية العالمية المتقدمة سياسات إعادة التّدوير للتخلّص من النفايات، للمُحافظة على نظافة البيئة بالدّرجة الأولى من أضرار طمر وحرق النّفايات أو تركها مكشوفة . كما تُقلّل من تلوّث المياه الجوفيّة من عصارة النّفايات النّاتجة عن طمر النّفايات والمُحافظة على نقاء الهواء الجويّ من انبعاثات حرق النّفايات، والتي تُفرز كميّات كبيرة من الغازات السامّة وثاني أُكسيد الكربون الذي يزيد من مشكلة الاحتباس الحراريّ. تقليل الطّلب على الموادّ الأولية، وبالتّالي استمرارها لفترة زمنيّة أطول.

ومن الفوائد نذكر أيضا، تحقيق عوائد اقتصاديّة، وأرباح من المواد الخام المُعاد تصنيعها، وتقليل نسبة البطالة بتوفير فرص عمل بشركات إعادة التّدوير للشّباب إلى جانب توفير الطّاقة التي تُستهلَك في استخراج الموادّ الخام ثمّ تصنيعها، إذ أنّ عمليّة التّدوير هي نصف عمليّة تصنيعيّة فتستهلك الطّاقة بشكلٍ أقلّ لتصل في النهاية إلى تحقيق مبدأ التّنمية المُستدامة العادلة.

هذا على المستوى الدولي ولكن أين نحن في تونس من كل هذا…….

عديدة هي المبادرات في تونس، ولكنها قليلة بالقياس مع النسيج المؤسساتي الضخم، ولكن ما اكتشفناه خلال زيارتنا مؤسسة المزرعة التابعة لمجموعة بولينا والمتخصصة في ذبح وتحويل الدواجن ومشتقاتها، أكد لنا وبالدليل القاطع أنه إذا توفرت الإرادة الحقيقية من خلال سياسة استشرافية متكاملة يمكن للمؤسسات الوطنية أن تضاهي نظيراتها الأجنبية وربما تتفوق عليها وهذا ما سنبينه في هذا التحقيق.

مصنع لتحويل و تثمين بقايا الدواجن بـ12 مليون دينار

استثمار 12 مليون دينار بعد الثورة في إنجاز مصنع لتحويل وتثمين بقايا الدواجن قرار غير مألوف في تونس ولكنه يندرج حسب السيد نوفل ساسي المدير العام للمزرعة، في سياسة استشرافية متكاملة مكنته من إقناع مجلس إدارة المجموعة بعد أن أثبتت كل الدراسات جدوى هذا المشروع بيئيا وإقتصاديا.

الوضعية سابقا

التثمين كان دائما شعار المزرعة ولكن الطريقة القديمة كانت تتمثل في تحويل بقايا الدواجن إلى أسمدة عضوية بيولوجية تستعمل في الضيعات الفلاحية التي تمتلكها بولينا ولكن كانت هناك مشكلة وحيدة وتتمثل أساسا في الروائح الكريهة التي كانت تنبعث من هذا السماد والذي كان يؤذي جيران المزرعة.

لذلك اتخذت إدارة المزرعة القرار بايجاد حل بديل يقضي على هذا الإشكال من جذوره و يأخذ بعين الإعتبار المحافظة على البيئة ولا يؤذي الجيران وتكون مردوديته الإقتصادية كبيرة. فكان هذا المشروع النموذجي المندمج و الفريد من نوعه في تونس و افريقيا.

كيف تثمن و تحول المزرعة بقايا الدواجن و ماذا تصنع منها….؟

تقوم المزرعة يوميا بتحويل تثمين 80 طن من بقايا الدواجن،60 طن من فواضل منتجاتها  و20 طن من المذابح الأخرى ولنا أن نتخيل الاثار السلبية  على المحيط والأمراض التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان، نتيجة هذا الكم الهائل من الفواضل لو يقع إلقائها في المصبات المراقبة او العشوائية أو يقع حرقها وما يتنج عن هذا الحرق من انبعاث غازات سامة.

إذن تستقبل المزرعة يوميا 80 طن من فواضل الدواجن يقع التعامل معها بطريقة علمية متطورة جدا عبر ثلاث مسالك، الدماء في مسلك والبقايا العضوية في مسلك والريش في مسلك.

حيث تتم المعالجة ثم في مرحلة ثانية التحويل وهي أهم عملية تفضي إلى عديد المنتجات المثمنة. فما هي هذه المنتجات….

المنتج الأول : سماد عضوي بيولوجي يستعمل في الفلاحة

المنتج الثاني: مكملات لمكونات تغذية الحيوانات الاليفة المنزلية( قطط وكلاب…)

المنتج الثالث: وهو الأهم حسي رأينا والذي لفت انتباهنا ويتمثل في إستخراج زيوت تستعمل في صناعة وقود حيوي للطائرات.

فالثمانين طن اليومية التي تستقبلها المزرعة يوميا يقع تحويلها و تثمينها بنسبة 100% وتتحول في النهاية إلى ما يقارب 20 طن من المنتجات الجديدة المثمنة: 12 طن زيوت و8 طن أسمدة ومتممات غذائية للحيوانات الاليفة المنزلية( قطط وكلاب…)

الملاحظة الهامة ان كل هذه المنتجات مخصصة للتصدير 100% للإتحاد الأوروبي ولا تباع ولا تستعمل في تونس حيث ان المزرعة متحصلة على شهادة وترخيص الإتحاد الأوروبي يمكن منتجاتها من دخول هذا الفضاء لمطابقتها للمواصفات الأوروبية.

وهكذا تكون المزرعة قد ربحت عدة رهانات و ضربت عدة عصافير بحجر واحد،

  أولا: نظافة المحيط الذي تنشط فيه، ثانيا: إنجاز مشروع اقتصادي مندمج مربح ثالثا: احداث مواطن شغل جديدة، رابعا: توفير العملة الصعبة خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها تونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *