عمل صحفي: زينة نصر و أشرف الشيباني
تعمل تونس بخطى حثيثة لخفض اعتمادها على الوقود الأحفوري والتوجّه نحو مصادر للطاقة المتجددة. ويستحوذ الغاز الطبيعي على الحصة الأكبر من مزيج توليد الطاقة الكهربائية في البلاد، في حين لم تبلغ نسبة مصادر الطاقة المتجددة في عام 2019 سوى 3 بالمائة. ويحمل هذا الاعتماد الكبير على الغاز الطبيعي تبعات خطيرة على أمن الطاقة في تونس، التي تلتهم جانبا من ميزانية الدعم.
ويتّجه البلد الواقع شمال إفريقيا ببطء نحو استغلال مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء وأعلنت في 2015 القانون المنظم للقطاع بعد تعطيلات عديدة و تأخر دام ثلاثة أعوام.
و تهدف تونس إلى إنتاج حوالي ثلث استهلاكها من الكهرباء باستخدام مصادر طاقة نظيفة بحلول سنة 2030. ومع ضعفها أمام تقلبات أسعارالطاقة العالمية، باتت مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة جزءاً رئيسياً من خطط التعافي الاقتصادي في البلاد.
وفي مارس/ آذار2022، صادقت الحكومة التونسية على مشاريع انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة باستثمارات تصل إلى 1.2 مليار دينار (412.3 مليون دولار) ضمن خطة استراتيجية لخفض فاتورة استيراد المشتقات النفطية.
وتستهدف هذه المشاريع إنتاج 500 ميغاواط من الطاقة الشمسية بخمس محافظات، هي تطاوين (200 ميغاواط)، وتوزر وسيدي بوزيد (50 ميغاواطا لكل محافظة)، والقيروان وقفصة (100 ميغاواط لكل منهما).
ومُنحت هذه المشاريع إلى شركات “سكاتاك” النرويجية، و”إينرجي ناريفا” المغربية الفرنسية، و”تيبا أمايا” الصينية الإماراتية. وفي إبريل/نيسان 2023، أبرمت الحكومة التونسية اتفاقا مع المجموعة الاستثمارية السعودية، سويكورب، و شركة البنية التحتية الإسبانية، أكسيونا، لبناء مزرعة رياح بقدرة 75 ميغاواط في قرية شنيني (جنوب شرق تونس).
وتهدف هذه الخطوة إلى التقليص من كلفة الدعم الحكومي للكهرباء من 200 مليم للكيلووات حالياً إلى 80 مليماً للكيلووات الواحد، فضلاً عن توفير 6 في المائة من كلفة توريد الغاز المنتج للكهرباء، أي ما يوازي 130 مليون دينار من ميزانية الدولة.
و يبلغ حجم استهلاك الكهرباء في تونس التي تضم حوالي 12 مليون نسمة أكثر من 4000 ميغاواط.
لكن مسار الانتقال الطاقي في تونس لا يأتي بدون ثمن ويصطدم غالبا برفض من المجتمعات المحلية بسبب تأثيره على نمط حياتهم ومصادر رزقهم.
ويتطلب إنتاج كمية كبيرة من الطاقة المتجددة إقامة عدد هائل من الألواح الشمسية ومزارع الرياح، وهو ما يعني الاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي التي تستعملها المجتمعات المحلية أحيانا في الزراعة وكمرعى للأغنام.
وينتقد نشطاء المجتمع المدني طريقة تنفيذ عدد من مشاريع الطاقة المتجددة في تونس وتسببها في إلحاق خسائر فادحة بالأسر التي تقطن قرب هذه المشاريع. وتشمل هذه الخسائر استغلال الأراضي الزراعية، التي تمثل ملكية خاصة للمزارعين، والتي ترغب الشركات في استغلالها بأسعار رخيصة لا تعكس القيمة الحقيقية للأرض أو للطاقة التي سيتم إنتاجها.
وعلى سبيل المثال، أُجّرت أراضِ ببلدة برج الصالحي الواقعة في الوطن القبلي (شمال تونس) بأسعار اعتبرها خبراء منخفضة للغاية لتركيز محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالرياح بسيدي داود.
بالإضافة إلى الأسعارالزهيدة لآستغلال الأراضي، كشف أحد نشطاء المجتمع المدني في منطقة الرديف (جنوب غرب تونس) أن الدولة ” لم تتشاور مع ملاك الأراضي بشكل كاف فيما يتعلق بمنح أراضيهم للمستثمرين لاستخدامها في مشاريع استخراج الطاقة المتجددة من الرياح معتبرا أن هذا القرار أثر سلبًا على صغار المزارعين.”
من هذا المنظور، يجب ضمان احترام قرارات المجتمعات المحلية وتحقيق عدالة بيئية بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة. كما يتعين على الشركات والحكومات تقديم تعويضات عادلة تعكس القيمة الحقيقية لاستغلال الأراضي وضمان شفافية كاملة في جميع مراحل تنفيذ المشاريع الطاقية وتمكين السكان من الاطلاع على دراسات الجدوى والأثر البيئي قبل بدء تنفيذ المشاريع وإبرام عقود منصفة ونشرها للعموم.
وبناءً على التجارب التي قامت بها العديد من الشركات النفطية في تنفيذ مشاريع تنموية في محافظات مختلفة من البلاد مثل تطاوين وقابس وقبلي، يمكن أن تنفّذ الشركات الناشطة في مجال الطاقات المتجددة مبادرات لتعزيز التعايش الإيجابي بين النشاط الاقتصادي والمجتمعات المحلية. وتشمل هذه المبادرات إنشاء صناديق خاصة لتمويل مشاريع تنموية، وتوفير فرص عمل محلية، وتطوير المشاريع الزراعية المستدامة، وتعزيز التعليم والتدريب المهني في مناطق الإنتاج.
من جهة أخرى، تُنجز عدد من مشاريع الطاقة المتجددة (والتقليدية أيضا لنكون منصفين ) في الصحاري والأراضي الجافة مع ترويج سرديّة بأنها أراض “ميتة” وغير صالحة للحياة، متناسين دورها المحوري في حماية التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجيّة. وتعتبرالصحاري موطنًا مهمّا للحياة البرية وتسهم في المحافظة على التوازن البيئي بآعتبارها بيئة ملائمة لعيش أنواع نادرة من الزواحف والحشرات والنباتات.
خلال الدورة الثامنة والعشرون للمؤتمر السنوي لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (مؤتمر كوب 28) بمدينة دبي الإماراتية (30 نوفمبر- 12 ديسمبر2023)، نحث الحكومات على تعزيز التعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك نقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات في استغلال مصادر الطاقة المتجددة التي قد ينجرعن سوء استخدامها أضرارجسيمة للبلدان النامية لا تقل عن تلك التي تنتجها الصناعات الاستخراجية. كما ندعو إلى تشجيع نشر الطاقة المتجددة واسع النطاق واللامركزي و إعادة إحياء اقتصادات الطاقة المستدامة وتطويرها خصوصا في البلدان التي تعاني أسواق طاقتها من ملكية الدولة واحتكار انتاج الكهرباء.
ختامًا، يحمل التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة فوائداً عديدة للاقتصاد التونسي أهمها تقليل التعرض للصدمات الخارجية الناتجة عن تقلبات أسعار الوقود الأحفوري وتحويل النشاط الاقتصادي من مجرد تصدير للمواد الخام إلى تصدير للمنتجات النهائية عالية القيمة. ولهذا السبب، يجب على الحكومة التونسية تطوير بيئة تنافسية عادلة وشفافة لمنتجي الطاقة المتجددة في القطاع الخاص، وتحديث الاتفاقيات الحالية لشراء الكهرباء، وإرساء ضمانات لتحفيز تطوير الطاقة المتجددة، والتغلب على العقبات الأخرى التي تبطئ الانتقال الطاقي في البلاد.