علماء البيئة لا بد من درجة ونصف كي نعيش

بقلم عيسى زيادية

3 هكتارات من الشعير والحصيلة 25 كيسا من الحبوب أي نقص بحوالي الثلث. لقد كانت السماء شحيحة طيلة هاذين السنتين ومدخرات الأبار بالكاد تكفي حاجيات خمس المساحة، ليت الله يرحمنا ليس لأجلنا فقط بل لأجل دوابنا أيضا، يقول عم حمادي فلاح من ريف لزدين بمحافظة نابل متحسرا على تدني مردود فلاحته تأثرا بالنقص الحاد في كميات الأمطار لثلاثة مواسم متتالية.

كبشر نحمل سبب جميع الكوارث الطبيعية للرب و مشيئة القوى الخفية المهيمنة، في الوقت الذي يشير لنا العلم أننا نحن وحدنا من نتسبب في هذا الشر لأنفسنا ونشد الخناق حول رقبة وجودنا ومن معنا على الأرض.

يحاول كثيرون اليوم الاستخفاف بنظرية تغير المناخ التي باتت حقيقة وواقعا بحيث يسعون جاهدين إلى الغائها  من خلال جعلها فكرة ساذجة وتصورا سوداويا ومحبطا.

ولا يكادون يلقون بالا لابتلاع المحيطات في القطبين لقمم  لصفائح الجليد أو وزحف المياه على كيلومترات من اليابسة أو حتى التراجع الحاد في معدلات التساقطات بشمال افريقيا والعالم العربي حيث تسير المنطقة بأكملها الى نادي الفقر المائي بشهادة التقارير و الخبراء.

وقد بقيت استنتاجات مختتمي  المؤتمرات الدولية المتعاقبة لما يربو غن ثلاثة عقود تدور في نطاق الى اجراءات تقتضي التعاون  في “عالم خاضع لسيطرة السوق وقائم على مبدأ المنافسة”  على رأي حبيب معلوف. ليبقى  السؤال المحرج هنا، ما مدى نجاعة هذه الخطوات في الحدّ من الحقيقة المفجعة  لتغيّر المناخ واضطرابه؟

 

 

لا أكثر من درجة ونصف

الوضع العام في قارات العالم الخمس لا ينذر بخير أبدا فقمة المناخ الأخيرة بباريس (Cop 21) قد وضحت دون اية مساحيق ارهاصات التغير الجذري في مناخ الأرض خصوصا تعاظم ظواهر الجفاف والأعاصير والفياضانات وذوبان الجليد، جراء ارتفاع معدلات حرارة الكوكب الناتج عن انبعاثات الغازات الدفيئة،  ومؤكدة في الأخير وبحضور 196 دولة ضرورة العمل  على  احتواء ارتفاع درجة حرارة الأرض بما يكون «أدنى كثيراً من درجتين مئويتين عند نهاية القرن»

ولكن نفس الاتفاق عاد ودعا في النهاية الى ضرورة تواصل المساعي الى خفض النسبة الى درجة ونصف اذا كان نود أن يتواصل وجودنا على النحو العادي، مشيرا الى ما كانت عليه حرارة الأرض قبل الثورة الصناعية.

قد يظهر لمعظمنا فرقا غير مهم و ربما يتمثل له موضوع خفض الحرارة برمته بدعة مستجدة وعقبة أمام التطور مثلما فعل ترمب بانسحابه من اتفاق باريس وسعي دول أخرى الى تغليب مصلحة اقتصادياتها ومصالحها على ملف المناخ. ولكن العلم الذي قادنا الى الجحيم لم يتخل عنا فهو قادر على يقودنا الآن الى تجنبه،  كما أن الطبيعة تثبت هي الأخرى قدرتها لوحدها على منحنا كل شيء دون أثار وخيمة.

مجددا وللذين لم يقتنعوا بعد نقول لهم أن عام 2017 كان  من بين أحر ثلاثة أعوام مسجلة بشهادة تقرير منظمة الأرصاد الجوية، علاوة على أنه قد مثل سجلا  لعددً كبير من الأعاصير واكبر الفيضانات المسجلة على الاطلاق (1539 ملم) ، وموجات الحرارة الحارقة، وحالات الجفاف القاسية في الوقت الذي ينبئ المستقبل بالأدهى أمام واقع تواصل تواصل ارتفاع المؤشرات طويلة الأجل الخاصة بتغير المناخ، مثل تزايد تركيزات ثاني أكسيد الكربون، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمض المحيطات. في اللحظة ذاتها التي يتراجع فيها الغطاء الجليدي دون المتوسط، ويظل نطاق الغطاء الجليدي في المنطقة القطبية الجنوبية، الذي كان مستقراً فيما سبق، عند أدنى مستوى له أو قريباً منه.

ذات  التقرير أشار أيضا إلى أن المتوسط العالمي لدرجات الحرارة قد تجاوز السنة الفارطة   بمقدار 1.1 درجة  تقريباً مستواه في ما قبل العصر الصناعي. ونتيجة لظاهرة النينيو القوية، يُرجح أن يظل عام 2016 أحر عام مسجل، ويأتي عام 2017 وعام 2015 في المرتبة الثانية و الثالثة. ويُتوقع أن تكون الفترة 2017-2013 أحر فترة خمس سنوات مسجلة.

أمام جميع هذه التغيرات المدفوعة بزيادة معدلات الاحترار والتي يتحدث عنها باطناب الكاتب الصحافي والمتخصص في الفلسفة البيئية حبيب معلوف في كتابه ” الى الوراء: في نقد اتجاهات التقدم” يصير الهدف “دون 1,5 درجة نهاية القرن” العقبة الوحيدة اما تدحرج الكرة الأرضية نحو الهاوية حيث يعتبره علماء البيئة الأساس في التصدي لاضطرابات المناخ.

100% طاقات متجددة

منطقي أن يكون السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو:  كيف سيمكن تحقيق هذا؟

الاجابة صارت معلومة  بعد مسار كامل لثلاث وعشرين قمة مناخية  أولها قمة الأرض بريو دي جانيرو منذ العام 1992،  وهي الانتقال الى الطاقات المتجدد واعتماد الحلول الطبيعية لعرقلة التغير المناخي.

وبالتالي فإننا اليوم في حاجة الى الاستثمار المكثف في مصادر الطاقات المتجددة التي ما عادت حلا لتغير المناخ فقط بل صارت  استثمارا ذكيا وناجحا في استطاعته ضمان موارد لا تنضب، وظائف اضافية، هواء نظيف، وتنمية مستدامة. بحيث بامكاكننا في هذه الظرفية الزمنية أن نتخلص من تبعيتنا لمراكز الطاقة القائمة على الفحم والوقود الأحفوري الذين يعدان المصدر الرئيسي في انبعاثات الغازات الدفيئة.

كمثال بسيط على مقدرة الطاقات المتجددة على اخراجنا من الاحراج الوجودي تمكنت الولايات المتحدة من توفير ما يقارب من ثلثي الطاقة المولدة للكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة ومثلها نجحت الصين والاتحاد الاوروبي في توفير معدلات هامة من طلبات الكهرباء ايضا اعتمادا على طاقات الماء والرياح والشمس.

أكثر من ذلك فقد توقعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنه بحلول سنة 2020 يمكن أن تحقق المصادر المتجددة ربع احتياجات العالم من الكهرباء فيما ترى أن الطاقة الشمسية لوحدها والمتوفرة في تونس والعالم العربي ستكون قادرة على توفير قرابة ثلت طلبات العالم على الكهرباء بحلول سنة 2050.

ولمن يقللون من الدور الذي يلعبه الكهرباء يحق بنا أن نذكر بأن النمو المتزايد في عدد وسائل النقل المستهلكة للكهرباء قادر لوحده على تهجير مليوني برميل نفطي يوميا.هذا دون أن ننسى المستقبل الواعد للاستثمارات في مجالات الطاقات المتجددة التي بلغت في عام 2015 ،  286 مليار دولار مما جعل الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس يصرح بالقول” لقد غادر قطار الاستدامة المحطة”.وكذالك المقولة القائلة بأن الاقتصاد الخالي من الاحافير مربح بالفعل ويخلق فرص عمل صار حقيقة مثبتة بعد أن أظهر  تقرير هذا العام المقدم من قبل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة  أن الجهود الرامية الى وقف تغير المناخ ستعزز الاقتصاد العالمي بالفعل بمقدار 19 تريليون دولار.

الطبيعة دواء نفسها

رغم أهمية ما أسلفنا ذكره إلا أن الحل الوحيد لا يكمن فقط في تخفيض سحب الكربون التي نقذف بها في الغلاف الجوي بلا هوادة من خلال حرق كميات أقل من الوقود الأحفوري بل إن الهدف “دون درجة ونصف”  يستوجب منا العمل كذلك على حماية واستعادة النظم الطبيعية التي تستهلك الكربون وتحتفظ به.

ونقصد بالنظم هنا الغابات والأراضي الرطبة وأراضي الخث كمخازن للكربون وماكينات لمعالجته. بالاضافة الى اعادة النظر في استخداماتنا الزراعية للاراضي بما يجعلها اكثر استدامة وأقل تسببا في الانبعاثات.

أهمية هذه الاستراتيجية الطبيعية تبرز في فوائدها المشتركة من جهتي معالجة المناخ والمساعدة في التنمية المستدامة التي تتطلب اعادة تلقي أبجديات الاستهلاك بناء على مبدأ المحافظة على حق الطبيعة.

ذلك أن التصدي لفقدان سبعة ملايين هكتار من الغابات (رئات العالم) سنويا  عبر وقف الزحف الحضري وترشيد الاستخدامات العشوائية للخشب والاستخدامات الاخرى للأرض وبذل مزيد  الجهود في اعادة تشجير الغابات قادر على منع اطلاق ملايين عديدة من أطنان مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويا وتحسين جودة الماء والهواء والترفيع في درجة السيطرة على الكوارث الطبيعية مثل التصحر والفياضانات.

رغم إدعاء  عديد التقارير والخطط المناخية الوطنية والدولية قدرة التكنولوجيا والهندسة الجيولوجية على استخلاص انبعثاتنا من الجو وفاعليتها في تحقيق البقاء دون درجة ونصف من الاحترار  لم يثبت أي منها أنه يعمل على نطاق واسع ما يجعل الشكوك قائمة حولها.

وعليه فإننا مطالبون بمواصلة دفاعنا عن الحلول الطبيعية في مجابهة اضطرابات المناخ حماية لحقنا في جودة الحياة ولطافة العيش.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *