سعيدة الزمزمي
لتونس تاريخ ثري وارتباط وثيق بالمياه عبر مختلف العصور والحضارات، حيث عرفت في الكثير من المناسبات سنوات جفاف وقحط وفياضانات. وقد كانت الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة تهتم اهتماما كبيرا بالمياه وبمنابعها ويظهر ذلك من خلال بناء الحنايا ونقل الماء من زغوان الى قرطاج ومن القيروان الى جامع الزيتونة. وتعد أقدم عين في البلاد التونسية في السرس ” عين اللاس” مازالت قائمة الى حدود اليوم. وعلى امتداد التاريخ كان الجفاف يتسبب في الثورات والانتفاضات. لهذا الامر وبعد الاستقلال مباشرة مثلت منظومة المياه من ضمن الأولويات في بناء الدولة الحديثة حيث تم في عام 1886 وضع قوانين وقد انفقت تونس ضعف امكانياتها في تلك الفترة لتطوير مواردها المائية والتحكم فيها حيث ساهم في بروز جيل من المهندسين الذين ساهموا في نجاح البرامج التي ارتكزت خاصة على حسن توظيف المياه وترشيد استهلاكها، كما تم التكثيف من بناء السدود للمحافظة على المياه وتخزينها لفترات الجفاف وللتصدي للفياضانات.
ويذكر انه طوال عشرون سنة المنقضية، ونتيجة لتغير المناخ شهدت بلادنا فيضانات مسترسلة أدت الى خسائر مجحفة على جميع المستويات. ففي عام 1969 سجلت الفيضانات عدد من الضحايا، تلتها في عام1973 فياضانات أخرى. وفي عام 2003، اجتاحت الفيضانات تونس الكبرى وخاصة منها منوبة، وسبالة بن عمار بولاية اريانة. كما اجتاحت مدينة بوسالم من ولاية جندوبة. وفي عام 2007 اجتاحت بنزرت. كما حصل نفس الامر عام 2009 حيث اجتاحت جنوب البلاد وخاصة الرديف على مدى يومين ووصلت الى حدود صفاقس وقابس. وفي عام 2011اجتاحت مجاز الباب من ولاية باجة. وفي عام 2015، اجتاحت عدة احياء بولاية جندوبة. وفي عام 2016 اجتاحت مدينة سوسة. وقد تواصلت الى غاية اليوم حيث غمرت ولاية نابل عام 2018 ومؤخرا ولاية اريانة عام 2019.
إدارة المياه خلال سنوات الجفاف (2016 -2017-2018)
تعيش تونس تحت خط الفقر المائي باعتبار ان معدل الفرد الواحد من المياه في السنة يقدر سوى 460 متر مكعب في حين انه وفقا للمؤشر العالمي، يقدر ب 1000 متر مكعب. بالإضافة الى ذلك، مرت بلادنا بفترات جفاف متتالية من عام 2016 الى غاية 2018 على اثر نقص كميات الامطار مما أثر على توازنات مواردها المائية وتقلص الارادات في السدود الى 66 بالمائة. لكن وفي المقابل، تم التخفيف من ازمة الجفاف، ووقع المرور من البرمجة المائية السنوية الى إدارة على مدى فترة زمنية تصل الى سبع سنوات. حيث تم تخزين كميات السنوات الممطرة واستغلالها خلال سنوات الجفاف مما يجعل الحصص متوفرة من المياه المنتظمة نسبيا من سنة الى أخرى. كما تم الاعتماد على تحويل المياه من اقصى الشمال بصفة متواصلة عبر محور سيدي البراق سجنان جومين والذي يجب اعتباره كمحور أساسي لتسديد الحاجيات المائية لمختلف القطاعات عوض الاكتفاء باستغلال سد سيدي سالم بمفرده لتلبية كل الحاجيات المائية. وتندرج هذه المنهجية ضمن مخطط إدارة المياه الذي ضبطته لجنة القيادة المحدثة بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بهدف التنسيق والمتابعة المستمرة، وبرمجة وقيادة تحويل المياه.
يستنتج ان بلادنا قد خففت من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي كان سيسببها الجفاف وحققت التوازن في تعبئة الموارد المائية عبر المعادلة بين منظومة العرض والطلب ، لكن تبقى إشكاليات تغير المناخ.
تغير المناخ ونقص المياه
ان قطاع المياه متغيرا حسب ما يحدثه تغير المناخ من تقلبات. لهذا الشأن، لم يعد التعامل مع هذا القطاع بالأمر السهل، وانما يجب تصنيفه في القائمة الأولى على بقية القطاعات الأخرى. فبالرجوع الى الكارثة الاشبه بالحرب على المياه التي جدت في بلدة الهند بات واضحا ان ظاهرة التغير المناخي هي تحول سريعا الى حالة طوارئ مناخية. فنقص المياه وشحّها في الانابيب والسدود تحدث مباشرة احتقانات اجتماعية وتخوفات وتدهور في المنظومة اقتصادية.
ما حدث في بلدة الهند في جوان 2019 شبّه ب” اليوم الصفر” باعتبارها أسوأ أزمة مياه في تاريخها إذ يعاني نحو 600 مليون مواطن من أزمة نقص المياه، مما جعل الحكومة عاجزة تماما على تغطية احتياجات الافراد من مياه الشرب. وتجاه هذه المسالة قرر رئيس الحكومة احداث وزارة المياه وإلغاء كتابة الدولة. موضحا انه “يجب أن نحافظ على المياه من أجل أطفالنا وأجيال المستقبل. وخطوة إنشاء وزارة للطاقة المائية حاسمة في هذا الاتجاه”.
إضافة الى ذلك، مثلت ازمة جفاف المياه التي شهدتها مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا في فيفري 2018، بمثابة إنذارٍ مبكرٍ وعلامة تحذيرية كبيرة لفتت العديد من الدول على غرار مصر، بما ان السبب يعود الى سوء إدارة واستخدام المياه وليس بسبب ندرة المياه لان المنطقة واحدة من أكبر الدول التي تمتلك في القارة الإفريقية سدودا. وتحذر الأمم المتحدة من أن ندرة المياه قد تساهم في تهجير 700 مليون شخص في أماكن متفرقة بالعالم بحلول 2030 فضلا عن المياه أحد الدخول في نزاعات وحروب في منطقة الشرق الأوسط.
متى تستفيق الحكومة التونسية؟
أمام ما يحدثه الجفاف من نزاعات واحتقانات اجتماعية واقتصادية، لما لا تنهض الحكومة التونسية وتستبق المخاطر التي يسببها تغير المناخ. الا يجدر بها الاعداد لازمات نقص المياه في السنوات المقبلة؟ من المؤكد، احداث وزارة المياه الى جانب بقية الوزارات الأخرى يشرف عليها خبراء ومختصون في المجال لا يكلف الدولة شيئا وانما بالعكس: استثمار مباشر وحيني طالما ان الماء “ذهب، ثروة وطنية وتنمية “. لقد أكدت التقارير والدراسات الصادرة عن أكبر المنظمات والهيئات الدولية ان الحرب في المستقبل هي حرب مياه وان الاستقرار لا يكون بدون توفر المياه في كل المناطق، لهذا الغرض، دخلت جل البلدان في مناهج وخطط جديدة للبحث عن طرق التصدي لازمة المياه.