زيوت التشحيم المستعملة هي نفايات خطرة يصعب تثمينها في ظروف تغيب فيها التشاريع والثقافة البيئية. الشركة التونسية لمواد التزييت، تجاوزت كل التحديات وصنّفت في المرتبة الأولى على المستوى الوطني في هذا القطاع. حيث كسبت الرهان من خلال تطبيقها للمعايير البيئية والاقتصادية…
في الفترة الأخيرة، شهدت الشركة حسب مديرها المركزي للتجميع والشراءات “رشيد الزواغي”، ظهور عمليات تجميع زيوت موازية غير مرخصة مما أضر بالقطاع على المستوى البيئي والاقتصادي. هذا الإشكال جعل “البيئة نيوز” تطرح أسئلة عديدة لمعرفة حقيقة ما يجري من خلال الحوار التالي.
1 – في البداية لو تتفضلون بتقديم لمحة عامة عن تاريخ تأسيس الشركة التونسية لمواد التزييت ؟
الشركة التونسية لمواد التزييت هي شركة وطنية ذات مساهمة عمومية تأسست عام 1979، لكن الانطلاق الفعلي كان عام 1981، حيث تم في البداية تركيز مصنع تونسي بتكنولوجيا إيطالية، تفرز نفايات ملوثة للبيئة للأسف الشديد،. تجدر الإشارة إلى أن أول قانون تم إصداره في مجال التصرف في زيوت التشحيم المستعملة كان عام 1982.
من جانب آخر، يساهم في رأس مال الشركة العديد من المؤسسات الوطنية على غرار المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بنسبة 27℅ ومؤسسات بترولية أخرى بنسبة 27℅ في رأس مالها. علاوة على مساهمات أخرى لها لبعض البنوك التونسية. كما توفر 250 موطن شغل قار و150 موطن شغل بصفة غير مباشرة.
2 – أفرز تعاملكم مع الشركة الايطالية في السابق مشاكل تلوث، كيف تمت معالجة هذا الإشكال ؟
في حقيقة الأمر، على إثر النتائج السلبية التي خلفتها عملية الرسكلة وفق التكنولوجية الايطالية، اتخذت الشركة عام 1991، توجها جديدا ينبني على تطبيق تكنولوجية جديدة أنجزها فريق بحث متكون من إطارات وفنيين بالشركة بالاشتراك مع القطب التكنولوجي ببرج السدرية. وتم تسجيل براءة الاختراع بأكثر من 24 دولة في كافة أنحاء العالم.
ويتميز هذا الاكتشاف التونسي السهل التحكم والغير مكلف بمردودية عالية، حيث تبلغ نسبة استرجاع الزيوت الأساسية من الزيوت المستعملة 95℅، الأمر الذي ساهم في تسويقه إلى فرنسا عام (1999) والكويت عام (2000) والمملكة العربية السعودية عام (2007).
3 – ما هي التشريعات والقوانين التي يخضع لها هذا القطاع ؟
يخضع التصرف في الزيوت المستعملة في بلادنا إلى مجموعة من القوانين، أبرزها القانون عدد 41 لسنة 1996 المتعلق بالتصرف في النفايات، والأمر عدد (693) لعام (2002)، المتعلق بضبط شروط و طرق استعادة زيوت التشحيم و المصافي الزيتية المستعملة. طبعا هذه النفايات مصنفة ضمن النفايات الخطرة… ولا تسمح القوانين بتوريدها أو بتثمينها إلاّ عن طريق الرسكلة على عكس ما تعمل به الدول الأوروبية مثلا.
من جهة أخرى، ساهمت الوكالة الوطنية لحماية المحيط والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات منذ تأسيسهما على تطوير الثقافة البيئية لدى المواطنين عبر الحملات التوعوية المكثفة أضف إلى ذلك المراقبة والبرامج التي ضبطتها.
4- ما هي الجدوى الاقتصادية لرسكلة زيوت التشحيم المستعملة ؟
إن معالجة 3 لتر من الزيوت المستعملة تعطي 2 لتر زيوت أساسية، كما أن رسكلة الزيوت المستعملة تحتاج الى ثلث الطاقة مقارنة باستخراج الزيوت الأساسية من البترول الخام.
5– ما هي الجدوى البيئية الاقتصادية ؟
تجدر الملاحظة إلى أن زيوت التشحيم المستعملة تصنف ضمن النفايات الخطيرة، ويجب معالجتها بطريقة سليمة… لهذا السبب التزمت الشركة التونسية لمواد التزييت، التزاما كاملا بحماية البيئة.
حسب أرقام رسمية، يلوث لتر واحد من الزيوت المستعملة مليون لترا من المائدة المائية. علما أن لترا واحدا كافيا لتغطية مساحة 1000 متر مربع من المياه (البحر والبحيرات…) وبذلك يمنع الهواء عن الكائنات الحية الموجودة. بالإضافة إلى ذلك، ينتج عن إلقاء هذه الزيوت في شبكات تصريف المياه تعطل تام لأجهزة التصفية وآلات الضخ للديوان الوطني للتطهير.
6- كيف تتم عملية التجميع ؟
للتوضيح، تخضع مرحلة التجميع إلى قرار صادر عن وزارة البيئة، وبتكليف من الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. من ناحية أخرى، قمنا في مرحلة أولى بتقسيم الخارطة التونسية على 12 منطقة، كل منطقة فيها ولاية أو أكثر، حسب ما تحتويه من مخزون الزيوت. وفي مرحلة ثانية، تم إبرام عقود عمل مع 12 مناول للقيام بتجميع زيوت التشحيم، وذلك في إطار صفقات عمومية.
وفي هذا الشأن، وفرت الشركة حاويات مجانية لأكثر من 11 ألف نقطة تجميع موزعة على كامل تراب الجمهورية.
وفقا لإحصائيات الشركة، تتوزع كمية الزيوت المجمعة بنسبة 20℅ من محطات الخدمات البترولية، و25% ورشات تصليح السيارات، و19℅ من زيوت التشحيم من محطات غسيل السيارات، فضلا عن تجميع 35℅ من زيوت التشحيم من المؤسسات الصناعية والإدارات العمومية، والقطاع الفلاحي ووكلاء بيع السيارات، إلخ.
في مرحلة ثانية، يتولى المناول القيام بالتخزين المؤقت للزيوت المجمعة يوميا بمستودع تابع للشركة التونسية لمواد التزييت. وفي حالة التعبئة الكاملة يقوم المناول بنقلها الى المصنع ببنزرت، لتخضع لجميع التحاليل.
تجدر الإشارة أن الشركة قد قامت بتركيز 12 مستودعا للخزن الوقتي للزيوت المجمعة موزعة على كامل تراب الجمهورية بطاقة خزن جملية تبلغ 950 لترا مكعبا.
7- فيما يتمثل تدخّل الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ؟
نعم، زيادة على دورها المحوري في الإشراف على المنظومة العمومية للزيوت المستعملة التي تقتضي دفع معلوم للحفاظ على البيئة يدفعه المورد والمنتج لزيوت التشحيم الجديدة… تقوم الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات بتقديم مساهمات للشركة التونسية لمواد التزييت، باعتبارها الشركة الوحيدة المرخص لها حاليا بالتجميع والنقل والخزن والمعالجة، إذ يشتري المناول من نقطة تجميع بحساب 50 مي اللتر الواحد تنقسم كالآتي( 15 مي على حساب المناول و35 مي من الوكالة).
8- كم تبلغ طاقة معالجة زيوت التشحيم المستعملة في معمل بنزرت ؟
تبلغ الطاقة الجملية لمعالجة الزيوت المستعملة 16 ألف طن في السنة ولكننا لا نجمع إلا 13500 طن من زيوت التشحيم المستعملة.
9 – كيف استطعتم المحافظة على استمراريتكم، علما أنكم تعملون في قطاع حساس للغاية ؟
راهنت الشركة التونسية لمواد التزييت على تحقيق الجودة المطلوبة ضمانا لديمومتها في السوق الاقتصادية. حيث رسمت استراتيجية قوامها: مطابقة المعايير البيئية، والمحافظة على صحة سواء الأعوان أو الحرفاء وضمان سلامتهم، فضلا عن توسيع خبراتها ومواكبة جميع التطورات التي يشهدها القطاع على المستوى الدولي لتطوير إمكانياتها… كل هذه النتائج زادها تقدما وازدهارا وانتشارا في كامل تراب الجمهورية… ولعل استمراريتها في السوق الاقتصادية رغم كل ما حصل من تقلبات اقتصادية دليل واضح على نجاحها في قطاع حساس للغاية.
35 سنة تمر على عمر المؤسسة، توُّجت بالعديد من الانجازات والمشاريع. فقد استثمرت في المستودعات (12 مستودع)، وفي الحاويات (20 ألف حاوية تم توزيعها على نقاط التجميع)… لقد أصبح معملنا قادر على استيعاب ومعالجة كل كمية الزيوت المستعملة القابلة للتجميع في كامل تراب الجمهورية وفق معايير الجودة والمعايير البيئية… وهذا حقيقة انجاز يحسب لشركة “سوتيليب”.
10 – كم تبلغ نسبة مساهمتكم في الاستهلاك الوطني للزيوت الجديدة ؟
تساهم الشركة بنسبة 25 ℅ من الاستهلاك الوطني للزيوت الجديدة، الذي يصل إلى حدود 47 ألف طن في السنة، منها 50℅ قابلة للتجميع كزيوت مستعملة اي ما يعادل(23 ألف طن قابلة للتجميع).
غير أن النسبة المسجلة من طرف الشركة في عملية التجميع لم تتجاوز الـ60%، وتعتبر هذه النسبة ضعيفة جدا مقارنة بالنسب العالمية التي تصل في بعض الأحيان إلى 100℅… والسبب في ذلك هو أن زيوت التشحيم المستعملة تمتلك قدرة طاقية قريبة من “الفيول والغازوال” مما شجع بعض الدخلاء على استعمالها كوقود أمام ارتفاع أسعار المحروقات، دون التفكير بالانعكاسات السلبية على البيئة والمحيط وصحة الإنسان.
11 – لماذا هذا التراجع اليوم رغم النجاحات، وهل تقرّون بوجود منافسة غير شرعية ؟
يفسر هذا التراجع إلى نقص الثقافة البيئية للمواطن، أضف الى ذلك، المستجدات التي حصلت في السنوات الأخيرة بعد الثورة من تراجع نسبي في تطبيق القوانين وعدم الاستقرار على الميدان.
من جانب آخر، أكيد، نحن نواجه منافسة غير مشروعة وغير متكافئة، طبقا لما نراه من استعمالات خاطئة للقطاع في مجالات عديدة سيما بعض معامل الآجر والفخار وأشغال الطرقات والمعدّات الفلاحية، حيث ينتج عنها غازات سامة وأمراض خطيرة بعد حرق الزيوت.
12 – كيف تقيّمون قطاع رسكلة النفايات في تونس ؟
هذا القطاع ذو بعد بيئي واقتصادي في نفس الوقت، ولا يوفر أرباح مرتفعة، بما أن الأرباح التي يحققها لا تكفي الا لتغطية الأعباء الاجتماعية وتكاليف الإنتاج والتصرف حفاظا على الديمومة والاستمرارية. لهذا الشأن، على الدولة والهياكل العمومية مراجعة منظومة الدعم بما يتناسب مع متطلبات القطاع لتحسين مردوديته والنهوض به خصوصا فيما يتعلق بالمصافي الزيتية المستعملة.
13- هل لديكم برنامج اتصالي واضح لتجاوز بعض الإشكالات سيما المنافسة غير شرعية ؟
تعتمد الشركة التونسية لمواد التزييت على مقاربة تحسيسية وتوعوية، أكثر من كونها مقاربة ردعية، فنقوم بحملات توعوية ضمن برامج اتصالية كل سنة، وقد قمنا مؤخرا بحملة تحسيسية بمراكز الفحص الفني للسيارات، وفي محطات الاستخلاص في طريق السيارة. إضافة إلى مسابقة لتحفيز الحائزين (نقاط تجميع الزيوت) باختيار أفضل 45 حائز. كما يتم تكريم 3 أفضل جامع لهذه الزيوت مع اسناد جوائز مالية تصل ألى 1000 د.
في الفترة الحالية، نحن بصدد إعداد ومضات تحسيسية موجهة للاذاعات
والتلفزات… ويوم إعلامي وتقييمي لنشاط المراقبة للحائزين لسنة 2016، في هذا الإطار نقوم بـ1200 زيارة مراقبة بالتعاون مع الوكالة الوطنية لحماية المحيط.
ونطمح من خلال ذلك، إلى إيجاد حلول فعلية للتصدي لظاهرة التجميع الموازي وللاستخدامات غير لامرخصة والمضرة بالبيئة.