“ملاحقات قضائية وتضييقات.. لماذا يُجرم الحراك البيئي في تونس؟ قابس صفاقس والقيروان نماذج في ظل تحديات المناخ”

بقلم الباحث في علم الاجتماع، ناجح الزغدودي
شهدت تونس في السنوات الاخيرة تصاعدا مطردا في النشاط البيئيـ ارتبط بشكل وثيق بقضايا بيئية توصف بالجريمة البيئية اصبحت تهدد
.صحة المواطنين واستدامة الموارد الطبيعية و”تغتال البيئة” وفق توصيف رسمي.
 تتنوع هذه القضايا من تلوث الهواء والمياه والتربة إلى سوء إدارة النفايات والتصحر، وجميعها تتفاقم بفعل التغيرات المناخية المتسارعة وتزيدها تأزما وتعقيدا نوميا في ظل تخبط استراتيجيات التدخل وغياب التنسيق الرسمي بين الوزارات المعنية.
أصبحت قضايا إدارة النفايات والتلوث الصناعي، بالإضافة إلى شح المياه، محورًا رئيسيًا ضمن “المخاوف البيئية” التونسية، ومحركًا لحركات احتجاجية تطالب بالعدالة البيئية. ومع ذلك، غالبًا ما تواجه هذه التحركات السلمية ملاحقات قضائية وتضييقات أمنية، في محاولة لترهيب النشطاء وتجريم كفاحهم من أجل بيئة سليم، فضلات عن حملات تشويه ووصم كأن المطالبة بالحق البيئي هو الجريمة وليس فعل التلوث.
تشكل رأي عام ووعي شعبي
بعد ثورة عام 2011، تحولت المشكلات المتعلقة بالنفايات والتلوث إلى قضايا رأي عام حظيت بتغطية إعلامية واسعة، مبرزةً عجز الدولة عن تسيير الخدمات العامة بكفاءة. من أمثلة ذلك أزمات النفايات التي حصلت في جربة وصفاقس، حيث غمرت القمامة الشوارع وانتشرت المكبات العشوائية، والتي كانت مؤشرات واضحة على هذا العجز. كما تزامن ذلك مع تفاقم ملفات التلوث الصناعي المزمنة في عدة مدن مثل قابس والقيروان والرقاب، حيث أضحى السكان يواجهون عدة مخاطر واضرار منها أمراض خطيرة مرتبطة بالنشاطات الصناعية والتلوث البيئي.
هذا الوضع أدى إلى ظهور ناشطية بيئية قوية تطور ليصبح حراكا شعبيا وحالة وعي نمت وتطورت حول هذه القضايا وتداعياتها البيئية والصحية والاجتماعية، ونجح بعضها في التحول إلى حراك بيئي منظم ومؤثر، لكنه غالبًا ما اصطدم بسياسة التجريم.
يهدف هذا المقال إلى فهم الحراك البيئي في تونس، وتحديد قدرته على التأثير في السياسات البيئية، مع التركيز على الملاحقات القضائية والتضييقات التي يواجهها. كما سيسلط الضوء على تحديات التلوث في قابس، صفاقس والقيروان، وكيف تترابط هذه القضايا مع التأثيرات المتزايدة للتغيرات المناخية على البلاد. يأتي هذا في ظل سياق سياسي واجتماعي معقد، يتسم بتراجع أشكال الحشد الجماهيري التقليدية وتزايد اللجوء إلى مقاربات أكثر سلطوية في إدارة الأزمات، وتجريم للمدافعين عن الحق في بيئة سليمة.
تشترك مطالب الحراك البيئي في مطلب رئيس وهو الحق في بيئة سليمة ومطالب العدالة البيئية والحق في الحياة ورفض مصادر الجريمة البيئي مقابل
رفض حملات التشويه التي تطالها وتهاجم حقها في بيئة سليمة فضلا عن التضييقات والملاحقات القضائية التي أدت الى ايقافات.
 
قابس تطالب بحقها في الحياة
تعتبر قابس نموذجًا صارخًا لمعضلة التنمية الصناعية على حساب البيئة وصحة الإنسان، حيث تصفها المقالات والشهادات بـ “كارثة” و”الفضاء المسموم”، وحتى “ضفاف الموت” و”الأرض الملعونة”. يعود هذا الوضع الكارثي إلى منوال تنمية “قاس وظالم إن لم نقل إجرامي” في حق سكان المنطقة. شهدت قابس، الواحة الساحلية الوحيدة في العالم والمعترف بها من اليونسكو، تدهورًا بيئيًا غير مسبوق بعد إنشاء المجمع الكيميائي التونسي سنة 1972.
كانت واحة قابس “جنة على الأرض” تعيل المدينة، لكن الصناعة الكيميائية أدت إلى نضوب الموارد المائية وتلوثها، وتسبب تلوث الماء والهواء في تدمير المحاصيل وتسمم الحيوانات. و تحول خليج قابس، الذي كان أكبر مصدر للأسماك والقواقع في تونس، إلى مقبرة للأسماك والسلاحف النافقة، وتقلص عدد الفصائل البحرية من 250 سنة 1965 إلى 50 فقط، مما يجعله من أكثر مناطق المتوسط تلوثًا.
منذ 45 سنة يتنفس أهالي قابس هواء مشبعًا بالغازات السامة مثل أكسيد الكبريت، أكسيد النتروجين، والفلوريد. المجمع الكيميائي التونسي يتمتع بوضع استثنائي ولا يشمله الرقابة الفعالة، حيث يلقي 42 ألف متر مكعب من الوحل “الجبسي” (الفوسفوجيبس) يوميًا في خليج قابس دون معالجة. الفوسفوجيبس، المصنف كنفاية شديدة الخطورة لاحتوائه على معادن ثقيلة ومواد إشعاعية، يتراكم بكميات هائلة تقدر بـ 4,095,000 طن سنويًا.
بينما يشبه السكان الوضع بـ “تشيرنوبيل تونس”، حيث تنتشر الأمراض “النادرة” كـ “أمراض شائعة”، مثل السرطان، العقم، الإجهاض، الأمراض التنفسية والجلدية، وهشاشة العظام. كما تسببت الانبعاثات في حالات تسمم بالفلور، وهو مرض مهني لم تعترف به تونس إلا بعد 2011. قضية الطفل الذي يعاني من تشوهات خلقية في حي السلام وقضية نزار وإنصاف المصابين بأمراض تنفسية وكبدية خطيرة، تؤكد الأثر المباشر للتلوث على صحة السكان.
على الرغم من التهميش البيئي وغياب الاعتراف الرسمي، يواصل النشطاء في قابس، ومن بينهم حركة “أوقفوا التلوث”، كفاحهم. فقد أُودع ملف لدى هيئة الحقيقة والكرامة عام 2016 لإثبات التهميش المنظم للمنطقة بيئيًا. وتتجدد الاحتجاجات والرحكة البيئية عاما بعد عام لتشارك في مظاهرات وحملات توعية، وتسعى للتنسيق مع حركات بيئية أخرى على المستويين الوطني والدولي.
يرى البعض أن الحل في قابس إزاء المجمع الكيميائي هو اغلاق المجمع وتفكيكه خاصة وان عمره الافتراضي قد انتهى منذ سنوات واصبح شديد التلويث. بينما يتعبره آخرون حلاً غير واقعيً، ويقترحون إيجاد معادلة إنتاج جديدة تأخذ بعين الاعتبار المصاريف الصحية والخسائر البيئية. كما يطرح نشطاء فكرة نقل المجمع الكيميائي التونسي بعيدًا عن المناطق السكنية، مع اقتراح مشاريع استثمارية لاستغلال الفوسفوجيبس في مناطق أخرى.
ثمن المطالبة ببيئة سليمة …باهض 
منتصف شهر نوفمبر 2024، مثُل 4 فلاحين من منطقة البحيرين من ولاية سليانة أمام القضاء، وذلك على خلفية مشاركتهم في تحركات احتجاجية ضدّ تواجد شركة مختصة في التنقيب عن المياه وتعليبها بمنطقتهم. بدأت القصة منذ سنة 2023، عندما خرج أهالي منطقة البحيرين في تحركات احتجاجية رافضة لتواجد الشركة في منطقتهم التي يرون أنّ مائدتها المائية لم تعد تتحمل المزيد من الاستنزاف، بعد تسجيل جفاف لافت في عدد من العيون الجبلية القريبة منهم وآبار السقي، إضافة إلى جفاف الأراضي وموت الأشجار المثمرة. يعكس هذا الحراك تزايد الوعي بخطورة استنزاف الموارد المائية في ظل التغيرات المناخية وشح الأمطار الذي يهدد الأمن الغذائي في تونس.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكد أن تجريم الحراك البيئي المتواصل في تونس ما بعد الثورة يعد إرثًا متواصلاً من الممارسات “اللاديمقراطية والقمعية” التي تهضم حق المواطنين في التمتع ببيئة سليمة. عبد الوهاب البرقاوي (74 عامًا)، أحد الفلاحين الأربعة الملاحقين قضائيًا، يؤكد أنه “لم يرتكب أيّ جرم سوى دفاعه عن حقهم في الحفاظ على مياه منطقتهم التي تعاني أصلاً من الجفاف”. يضيف البرقاوي أن منطقة البحيرين لا يمكنها تحمل شركة جديدة للتنقيب عن المياه الجوفية، خصوصًا مع وجود 3 شركات أخرى تستنزف المائدة المائية وتضر بالمساحات الزراعية والأشجار المثمرة.
في أول تحرك احتجاجي لهم، تم إيقاف عبد الوهاب البرقاوي ورفاقه الثلاثة، ووضعهم في الإيقاف التحفظي لمدة 4 أيام قبل إطلاق سراحهم. وفي تحرك ثانٍ، تم إيقاف 4 آخرين ومتابعة البقية في حالة سراح، وهو ما يعتبره النشطاء “محاولة لترهيبهم وتخويفهم”. يؤكد البرقاوي أن هذه الإيقافات لم تثنهم عن عزمهم في مواصلة الدفاع عن منطقتهم وحقهم في المياه، نظرًا لاعتمادهم عليها كمصدر رزقهم الوحيد. وقد صدر حكم بسجنه 4 أشهر وبخطية مالية، فيما حكم على رفاقه بـ 3 أشهر سجنًا بتهم “التعرض لحرية الشغل والثلب”، مما يثير التساؤل حول ما إذا كان الدفاع عن الحق في بيئة سليمة والحق في المياه يعد جريمة تستحق العقاب.
 القيروان وصفاقس: استمرارية النضال البيئي 
في القيروان ، يتنوع الحراك البيئي ليشمل قضايا تلوث متعددة وشح الميا بدرجة أولى.
دخان اسود في الرويسات
شهدت منطقة الرويسات منذ سنوت حراكًا بيئيًا ضد مصنع الإسمنت الذي يتسبب في انبعاثات غازية سوداء ناتجة عن احتراق الفحم البترولي. يعتقد المحتجون أن هذه الانبعاثات كانت لها آثار مدمرة على البيئة والصحة، مما ساهم في أمراض الجهاز التنفسي وتدهور جودة الهواء، وتجاهل الآثار السلبية لتلوث الهواء على التغيرات المناخية.
 مصنع الكرتون بالشبيكة:
 سبق هذا الاحتجاج حراك بيئي آخر ضد مصنع الكرتون في الشبيكة إبان الثورة، حيث طالب المواطنون بوقف التلوث الناجم عن المصنع، وهو ما عكس وعيًا متزايدًا بالقضايا البيئية حتى في بدايات الانتقال الديمقراطي، وتأطيراً حقوقياً مدنياً لهذه التحركات.
 مصابات المرجين: شهدت مناطق مثل الشوايحية في الشراردة وبوحجلة احتجاجات ضد مصبات المرجين الملوثة، التي تؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية والمياه الجوفية. أدت هذه التحركات الاحتجاجية إلى إيقاف ناشطين، مما يدل على حدة المواجهة بين المطالب البيئية والسلطات المحلية.
 الحق في الماء: كما شهدت مناطق عديدة في القيروان، مثل أولاد نصير ببوحجلة وحاجب العيون ومنطقة القفي، وفي العلا والمساعيد، والسبيخة بعد غلق سد نبهانة، احتجاجات متكررة من أجل الحق في الماء. تعكس هذه الاحتجاجات النقص الحاد في الموارد المائية، والذي يتفاقم بفعل التغيرات المناخية وشح الأمطار، مما يزيد من معاناة الفئات الهشة في الحصول على هذه المورد الحيوي، ويبرز تداعيات التغيرات المناخية على مستوى الأفراد.
ملاحقات قانونية وتضييقات على النشطاء
في شهر أكتوبر 2025، تجددت الاحتجاجات في قابس إثر دعوة عدد من الجمعيات والمنظمات المحلية، إلى جانب حركة “أوقفوا التلوث”، التي أصدرت بيانًا جماعيًا للتعبير عن قلقها الشديد من تدهور الوضع البيئي والصحي والاجتماعي. طالب المحتجون بفتح تحقيق في التسربات الصناعية والتلوث المستمر، الذي يهدد حياة آلاف السكان، مع تجاهل مطالبهم وحقوقهم الأساسية في بيئة سليمة، وهو ما يعكس استمرارية الحراك البيئي وتصاعده في المنطقة.
 الناشط البيئي في قابس، خير الدين دبيّة، يرى أن الإيقافات والمضايقات لم تُثن النشطاء عن التمسك بحقهم في بيئة سليمة وهواء نظيف، مشيرًا إلى أن تجريم الحراك البيئي يكون عادة إما عن طريق الهرسلة الأمنية أو الملاحقات القضائية أو بإطلاق حملات شيطنة وتصريحات مسيئة من قبل المسؤولين.
وقبلها في عين دراهم من ولاية جندوبة، تواجه الناشطة البيئية مريم بكار بدورها ملاحقات قضائية على معنى المرسوم 54، وذلك “على خلفية احتجاجها وأهالي المنطقة ضد التلوث الصادر عن منشأة لتربية الدواجن بمنطقة الحُمران”. وقد مثُلت بكار نهاية شهر أكتوبر 2024، أمام قاضي التحقيق بمحكمة جندوبة، مما يؤكد استمرار سياسة تجريم النشاط البيئي. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر عن مساندته المطلقة لمريم بكار ولكل نشطاء الحراك البيئي ضد ما وصفه بـ “انتهاكات تطال حقوقهم البيئية ومكونات المنظومة البيئية ككل”.
كما تم قبل اعوان إيقاف نشطاء على خلفية احتجاجات بيئية في القفي بمعتمدية السبيخة والشراردة وبوحجلة وحظيت بدعم حقوقي ومدني واطلق سراح النشطاء من قبل القضاء وتبرئة كثيرين منهم.
يؤكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التزامه بمساندة كل الحركات البيئية السلمية باعتبار أن الاحتجاج السلميّ حق يكفله الدستور والقانون على حدٍّ سواء. وتعتبر رئيسة قسم البيئة بالمنتدى، إيناس الأبيض، أن تجريم الحراك البيئي المتواصل في تونس ما بعد الثورة يعد إرثًا متواصلاً من الممارسات “اللاديمقراطية والقمعية” التي تهضم حق المواطنين في التمتع ببيئة سليمة، وتضرب عرض الحائط المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان. وتضيف أن الإيقافات أو التضييقات التي تستهدف المشاركين في التحركات البيئية في تونس لم تكن يومًا الحل الأنسب، مشيرة إلى أن الحل يكمن في ضرورة إيلاء الإشكاليات البيئية الأهمية القصوى والاستماع للأصوات المدافعة عن البيئة لإيجاد حلول جذرية وعاجلة بالتعاون مع جميع الأطراف.
أفاد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بأن المحكمة الإدارية أصدرت حكمًا ابتدائيًا يقضي بإنصاف أهالي منطقة سيدي مذكور من معتمدية الهوارية، وذلك على خلفية الدعوى القضائية التي قاموا بها بتاريخ 6 سبتمبر 2018 من أجل المطالبة بحقهم الدستوري في بيئة سليمة، وهو ما يعد “سابقة في القضاء البيئي”.
 ارتفاع نسق التحركات البيئية
أظهر تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في جويلية 2024، تصاعد نسق التحركات ذات الطابع البيئي خلال الثلاثي الأول من سنة 2024، وذلك بنحو 172 تحركًا مقابل 156 تحركًا خلال الفترة ذاتها من سنة 2023. وقد تم تسجيل 56% من التحركات البيئية خلال الثلاثي الثاني من العام، سيما خلال شهر جوان/يونيو الذي سجل 52 تحركًا، وذلك بالتزامن مع موسم الحصاد وموجات الحر القاسية التي تجاوزت المعدلات المسجلة في نفس الفترة من سنة 2023، مما يؤكد تزايد ارتباط الحراك البيئي بتداعيات التغيرات المناخية.
تمحورت المطالب البيئية في غالبيتها حول ظاهرة الانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب، وذلك بمعدل 83 احتجاجًا، بالإضافة إلى احتجاجات في كل من سوسة والقيروان ونابل وتوزر طالب فيها المواطنون ببيئة سليمة غير ملوثة وبربطهم بالصرف الصحي. كما عرفت البلاد خلال الثلاثي الثاني من سنة 2024، تحركات احتجاجية تندد بتفاقم ظاهرة التلوث الصناعي في ولاية قابس، إلى جانب تحركات احتجاجية تندد بتفاقم أزمة النفايات التي تتراكم في الشوارع وأنحاء المدن بكل من ولايات صفاقس والقصرين، مما يبرز اتساع نطاق الأزمات البيئية وتنوعها.
أكد التقرير أن التحركات البيئية خلال الأشهر الست الأولى من سنة 2024، اتسمت بطابعها الجماعي المنظم وكانت في أغلبها وقفات وتجمعات احتجاجية ونداءات عبر وسائل الإعلام في محاولة للفت انتباه المسؤولين والسلطات المعنية إلى ضرورة التدخل العاجل للحد من وطأة التحديات البيئية على المواطنين في مختلف المناطق في البلاد. هذه التحديات، المدفوعة بشكل متزايد بالتغيرات المناخية، تتطلب استجابات عاجلة وشاملة من جميع الأطراف.
  تونس وتحديات المناخ 
على الرغم من تمكن النشاط البيئي في تونس من لفت الانتباه نحو محدودية سياسة إدارة النفايات والتلوث الصناعي وشح المياه في البلاد وعدم وجود خطة حقيقية للإدارة المتكاملة للملف البيئي، وعلى الرغم من اعتقاد النشطاء أن تجربتهم ساهمت في بروز نقاش جاد حول ضرورة التغيير وكونها قوة دفع نحو صيغ أكثر ملاءمة للتخلص من القمامة ومعالجة التلوث تقوم أساسًا على تقاسم العبء البيئي، إلا أنها تعترف بافتقارها إلى التجربة والخبرة والإمكانيات من كفاءات على المستوى القانوني وعلى مستوى الحقوق والسياسات البيئية.
كما تفتقر تجربة الحراك العفوة والمتجزئة، إلى الموارد المالية للدخول في مسارات طويلة المدى كالمسار القضائي على سبيل المثال، وعدم إلمامها بكل الاستراتيجيات الملائمة التي تمكنها من تحقيق مطالبها، وأبرزها قدرة هذه الحملات على تكوين غطاء قانوني يحميها من المساءلة، خاصة في ظل تصاعد تحديات التغيرات المناخية التي تزيد من تعقيد الوضع البيئي.
الطرق التقليدية للتعبئة والضغط تبدو اليوم غير ممكنة.
أدى ذلك إلى دخول هذه الحركات في حالة ركود وفتور خصوصًا أمام تعدد مشكلات البلاد، والتضييقات القانونية التي تواجهها. فأصبح الأمر أصعب، ولا يمثل أولوية أمام الأزمة الاقتصادية وتفشي ظاهرة احتكار المواد الأساسية وارتفاع الاسعار. مع ذلك، تظل الحاجة ماسة إلى حراك بيئي فعال ومستدام لمواجهة التحديات المتزايدة، خاصة وأن التغيرات المناخية لا تنتظر.
من الضروري أن تطور النشاطات البيئية في تونس أساليبها واستراتيجياتها لضمان استمراريتها وقدرتها على الحشد والمناصرة، داخليًا وخارجيًا. يتضمن ذلك خلق صيغ للتضامن والتكامل بين مختلف الحركات البيئية، وتشكيل تحالفات استراتيجية مع أصحاب المصلحة الآخرين، بما في ذلك صنّاع القرار، للمشاركة في حوار جاد وعميق حول السياسات البيئية في تونس. لا يمكن تصور أي ائتلافات مؤثرة وقادرة على التغيير دون إشراك الأطراف من داخل صنّاع القرار، والعمل على مبدأ الانتقال العادل، خاصة بالنسبة للمتضررين من التلوث والعمال في القطاعات المتأثرة.
إن إنتاج المعرفة، سواء كان فنيًا أو علميًا، يبقى أداة قوية في تعبئة الرأي العام ومواجهة التحديات البيئية، ويتطلب دعمًا أكبر وتوسيعًا لمشاركة النشطاء في الأبحاث الأكاديمية لضمان حلول مستدامة وعادلة تواجه تحديات التغيرات المناخية المتسارعة في تونس.
مصادر
https://ftdes.net/ar/2654-2/
https://www.arab-reform.net/ar/publication/%D8%A7%D9%84%D8
https://tunisie-telegraph.com/a-la-une-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-
https://raseef22.net/article/1097467-%D9%88

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *