القيروان تحت سحابة الدخان والنفايات:أزمة بيئية وصحية وقانونية تتطلب حلا جذريا

تحقيق: ناجح الزغدودي صحفي وباحث في علم الاجتماع 

تعاني تونس منذ سنوات متتالية من تدهور متزايد في وضعها البيئي، يتجلى في تراكم النفايات وانتشارها، مقابل غياب حلول جدية وناجعة ومستدامة للتخلص منها، مما يجعل حياة المواطن أكثر تعقيداً وصعوبة. هذه الأزمة البيئية لا تستثني مدينة القيروان، التي تشهد تفاقماً ملحوظاً في ظاهرة رمي وحرق الفواضل المنزلية العضويةفي أكثر من مكان وفي اغلب الاوقات.

وقد وثقت التقارير الميدانية تفشي الظاهرة، حيث تم رصد حرق للقمامة في عدد من المناطق والاحياء وحرق الحاويات وحرق النفايات الملقاة خارج الحاويات. وتحول مشهد النفايات الى عنصر ثابت في الحياة اليومية للموطنين في مدينة القيروان لا يستثني مسلكا سياحيا ولا حيّا شعبيا في صورة معممة للتلوث البصري وتغمر المصبات العشوائية المناطق السكنية، كأن الحق في التلوث والتوزيع العادل للأوساخ هو صاحب الأولوية والاسبقية.

وتتصاعد أعمدة الدخان مثل وحش أسود يتمدد في السماء مخترقا مضاجع الأطفال في المساكن وفي المؤسسات التربوية، ناشرا سمومه في كل مكان ومعلنا فصلا آخر من التلوث والاعتداء على حق المواطن في بيئة سليمة واعتداء على القانون.

تؤكد دراسات تأثير المحيط عن احتواء النفايات الملقاة في المساحات المفتوحة وعلى قارعة الطريق على ضفاف الاودية ومجاري تصريف المياه وغيرها، على مكونات وعناصر سامة. وأثبتت تحاليل مخبرية ان تركيبة النفايات تحتوي على مواد عضوية وبلاستيك ومنتجات كيميائية وورق وكربون وسوائل.

وتتكون التركيبة الغالبة للنفايات المنزلية في تونس، في معظمها من المواد العضوية، تجعلها عرضة للتحلل السريع وإطلاق الروائح الكريهة عند إلقائها بشكل عشوائي. بينما يؤدي حرقها إلى انبعاث غازات ضارة حيث تتكون النفايات المنزلية والمشابهة أساسا، من المواد العضوية بنسبة 64%، تليها النفايات البلاستيكية بنسبة 11% والورقية بنسبة 10%. هذه النسبة العالية من المواد العضوية تجعل النفايات سريعة التحلل وتطلق روائح كريهة عند رميها عشوائياً، كما أنها تنتج غازات خطيرة عند حرقها.

ويؤدي حرق النفايات العشوائي الى إطلاق سحابة من السموم في الهواء والتربة والمياه، مما يسبب أمراضاً خطيرة ويدمر النظم البيئية. هذه الممارسات تحول الأحياء السكنية إلى بؤر للخطر على صحة الصغار والكبار.

مصبات عشوائية للنفايات، أزمة هيكلة

هذا المشهد اليومي للمصبات العشوائية وحرقها فعل غير قانوني ولا أخلاقي، يطرح جملة من الأسئلة والاستفهامات بشأن مدى حضور اليات الرقابة البيئة سواء لدى البلدية او وزارة البيئة وقدرتها على تطبيق القانون وفرض احترامه لحماية المواطنين من اضرار صحية وعلى عناصر البيئة ومعبرة عن حالة فراغ في ثقافة الوعي البيئي للفرد والمجتمع.

يمثل الوضع في القيروان، نموذجاً مصغراً لأزمة بيئية وطنية أعمق. فحالة القيروان ليست مثالا منعزلا، بل هي تصوير لخلل أوسع في منظومة إدارة النفايات بالبلاد.. حيث أن انتشار هذه المشكلة في مختلف الجهات والمدن، من المراكز الحضرية إلى الفضاءات العامة واحواز المدن وحتى المناطق الريفية، يشير إلى أن الأسباب الجذرية ومتصلة بعدة عوامل اجتماعية وحوكمة، مثل غياب الثقافة البيئية وضعف آليات التنفيذ القانوني. وهي تحديات هيكلية تتجاوز النطاق المحلي. وبالتالي، فإن أي حلول مستدامة للقيروان يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية وطنية شاملة.

التلوث البيئي: حرائق في مصبات عشوائية

يُشكل رمي وحرق الفواضل المنزلية العضوية في القيروان خطراً جسيماً على البيئة وصحة الأفراد، حيث تتعدد تداعيات هذه الممارسات لتشمل تلوث الهواء والتربة والمياه، وتدهور جودة الحياة، فضلاً عن الآثار الصحية الخطيرة. ويعد الحرق العشوائي للنفايات ممارسة خاطئة وشائعة، تتسبب في آثار سلبية كبيرة على البيئة، خاصةً عند حدوثه بالقرب من المناطق السكنية.

يحتوي الدخان الناتج عن حرائق النفايات على غازات سامة وملوثات خطيرة، مثل أكاسيد الكبريت، أكاسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكربون. ويساهم حرق النفايات المختلطة، التي تجمع المواد العضوية مع المواد الصلبة كالبلاستيك والنايلون، في انبعاث غاز الميثان ومواد مسرطنة. كما تُشير دراسات إلى أن حرق ثلاثة أكياس نايلون يستهلك كمية الأكسجين التي يتنفسهاالإنسان خلال 48 ساعة، مما يُبرز خطورة هذه المادة عند حرقها.  

وهذا ما يجعل النفايات المنزلية والصناعية مواد خطرة يجب التخلص منها بطرق آمنة وعلمية لتجنب آثارها السلبية على الطبيعة، بما في ذلك التربة والمياه. حيث يؤدي تسرب المواد الخطرة من النفايات المرمية عشوائياً إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، مما يُهدد جودة الموارد الطبيعية وسلامة البيئة خصوصا عندما يتم رمي الفواضل على ضفاف الاودية ومجاري المياه. ويُساهم رمي الفضلات على الطرقات في تلوث المحيط وانبعاث الروائح الكريهة التي تُعيق الحياة اليومية ناهيك عن البعد الجمالي وتشويه المنظر العام للمدينة فضلا عن تحولها الى مصدر للحشرات والقوارض وتسببها في نشر الاوبئة.

التداعيات الصحية

تُؤثر الغازات والأدخنة السامة الناتجة عن حرق النفايات بشكل مباشر على الجهاز التنفسي للكائنات الحية المحيطة، مما يزيد من معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي. ويمكن أن تحتوي النفايات البلاستيكية على مواد مسرطنة تُلوث المحاصيل والمنتجات الغذائية مثل البيض واللحوم، مما يُشكل تهديداً خطيراً لصحة الإنسان على المدى الطويل. كما يسبب الحرق العشوائي للنفايات انبعاث ملوثات خطيرة أخرى مثل الزئبق، الذي يُؤثر سلباً على الصحة العصبية والعقلية ويُمكن أن يُسبب تشوهات خلقية.

وتشير المعلومات إلى أن حرق النفايات المختلطة، التي تحتوي على مواد عضوية وصلبة، هو أخطر بكثير من مجرد تراكمها، حيث يؤدي إلى إطلاق غاز الميثان ومواد مسرطنة.

ملوثات سامية

على الرغم من أن المواد العضوية، التي تشكل 64% من النفايات المنزلية في تونس، تتحلل بسرعة ويمكن تحويلها إلى سماد مفيد، إلا أن خلطها بالبلاستيك ومواد أخرى ثم حرقها يحولها إلى مصدر للملوثات شديدة السمية.

هذا الخلط يؤدي إلى انبعاث أكاسيد الكبريت، أكاسيد النيتروجين، البنزين، التولوين، والمواد المسرطنة، بالإضافة إلى الزئبق، مما يسبب أمراض الجهاز التنفسي، وتلوث الغذاء، وتأثيرات عصبية، وتشوهات خلقية. وبالتالي فإن الفشل في فصل النفايات عند المصدر يحول مسارنفايات كان من الممكن إدارته بشكل مستدام عبر الفرزوالتثمين إلى كارثة بيئية وصحية معقدة.

وحسب منظمة الصحة العالمية يتسبب انتشار المصبات العشوائية في ظهور أمراض التهاب الجلد والهباء الحيوي المرتبط أساسا بالنفايات التي تخزن في بيئة رطبة ودافئة والتي يؤدي استنشاقها بكميات كبيرة وبصفة مستمرة الى ظهور أمراض الحساسية. كما يتسبب التعرض للجراثيم المتأتية من البراز إلى ظهور فيروسات تؤدي الى التهاب الأمعاء مثل بكتيريا ايكوالي” و “السالمونيال” والتهاب الكبد الفيروسي وفق تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمن التقرير السنوي للعدالة البيئية لسنة 2024

يُقدم الجدول التالي أبرز الملوثات الناتجة عن حرق النفايات وتأثيراتها الصحية:

جدول 1: أبرز الملوثات الناتجة عن حرق النفايات وتأثيراتها الصحية

الملوثات الناتجة عن الحرق

التأثيرات الصحية والبيئية المحددة

غازات سامة (دخان)

أمراض الجهاز التنفسي

أكاسيد الكبريت، أكاسيد النيتروجين، ثاني أكسيد الكربون

تلوث الهواء، أمراض الجهاز التنفسي

ملوثات عضوية خفيفة (البنزين، التولوين)

تلوث الهواء، مخاطر صحية متنوعة

مواد مسرطنة (من النفايات البلاستيكية)

تلوث المحاصيل والمنتجات الغذائية (البيض، اللحوم)، أمراض السرطان

الزئبق

تأثير سلبي على الصحة العصبية والعقلية، تشوهات خلقية

غاز الميثان

أمراض الجهاز التنفسي، مساهمة في تغير المناخ

أكياس النايلون (عند حرقها)

استهلاك كمية كبيرة من الأكسجين، مصدر لأمراض السرطان

سلطة التشريع وحدود التطبيق

تُظهر تونس التزاماً قانونياً واضحاً تجاه حماية البيئة وإدارة النفايات، حيث تتوفر ترسانة تشريعية وتنظيمية تهدف إلى تنظيم هذا القطاع الحيوي. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع. ولئن يعتبر الحق في بيئة سليمة حق دستوري تضمنته مختلف الدساتير آخرها دستور 2022 الذي ينص في فصله ال47 أن “تضمن الدّولة الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدّولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوّث البيئيّ. هذا النص الدستوري يضع أساسا قويا لمسؤولية الدولة في إدارة النفايات وحماية البيئة ومرجعا لضمان حق المواطن في بيئة سليمة.

كما تتوفر الموسوعة القانونية على جملة من القوانين المنظمة لعملية وضع الفواضل سواء الفواضل المنزلية او الصناعية بمختلف أنواعها وتنظم أماكن وضعها ومسؤولية مختلف الأطراف في توفير الوسائل والمراقبة والسهر على تطبيق القانون.

ويُعتبر القانون رقم 96-41 المؤرخ في 10 جوان 1996 هو القانون الأساسي المنظم لمكافحة التلوث وإدارة النفايات في تونس.

يهدف هذا القانون إلى وضع إطار ملائم في ميدان النفايات وطرق التصرف فيها لضمان عدم تشكيلها خطراً على الصحة العامة والبيئة. وقد خضع هذا القانون لعدة تعديلات، أبرزها القانون عدد 14 لسنة 2001 المؤرخ في 30 جانفي 2001، الذي أحدث تمييزاً بين إدارة النفايات الخطرة (التي تتطلب ترخيصاً مسبقاً من وزارة البيئة) وإدارة النفايات غير الخطرة (التي تتطلب كراس شروط).

كما أحدث تنقيح مهم هو القانون عدد 2 لسنة 2024 المؤرخ في 4 جانفي 2024، الذي ألغى أحكام الفصل 20 من القانون 41-1996 واستبدلها بنص جديد يحدد بوضوح مسؤولية الجماعات المحلية والتجمعات البلدية في التصرف في النفايات المنزلية، ويسمح لها بإحالة عمليات جمع وإزالة ومعالجة النفايات المنزلية إلى مؤسسات عمومية أو خاصة وفقاً للصيغ التعاقدية.  

على الرغم من وجود إطار قانوني تونسي يحدد عقوبات لرمي وحرق النفايات، فإن فعالية هذه العقوبات في ردع المخالفين تظل محل تساؤل، نظراً لمحدودية تطبيقها على أرض الواقع.

حيث يمنع القانون في تونس رمي الفضلات في الأماكن العامة غير المخصصة. من ذلك ينص القانون عدد 41 لسنة 1996، المعدل بالقانون عدد 14 لسنة 2001، على “مجموعة من الأحكام الزجرية الهادفة إلى ردع الأفعال المتسببة في تلوث المحيط”.

يحظر الفصل الخامس من هذا القانون “ترك نفايات أو إيداعها أو التخلص منها في الوسط الطبيعي بدون احترام المواصفات الجاري بها العمل”. وينص القانون على تسليط عقوبات، تتراوح بين 30 و60 دينار عن كل مخالفة لقانون رمي الفضلات في الأماكن غير المرخصةبالنسبة للأفراد.

في حين تتراوح العقوبات على مخالفة الأحكام المتعلقة بالنفايات بشكل عام بالنسبة للمؤسسات، بين غرامة مالية من 100 دينار تونسي و 5 آلاف دينار تونسي، “حسب خطورة الجريمة”.17 أما في حالة النفايات الخطرة، فتكون العقوبات أشد بكثير، حيث تتراوح الغرامة بين 10 آلاف دينار و 500 ألف دينار، بالإضافة إلى عقوبة بدنية تتراوح بين شهر وخمس سنوات سجناً.

يُذكر أن القانون رقم 2 لسنة 2024، الذي عدل الفصل 20 من القانون 41-1996، لم يضف عقوبات مباشرة في هذا الفصل، بل ركز على تحديد مسؤوليات الجماعات المحلية في إدارة النفايات المنزلية. هذا يشير إلى أن العقوبات المتعلقة بالرمي والحرق لا تزال موجودة ضمن فصول أخرى من القانون الأصلي أو تعديلاته السابقة.

في حين تصل العقوبة القانونية لمن يتعمد حرق النفايات، والتي تعتبر جنحة وقد تصل العقوبة إلى غرامات تتجاوز 1000 دينار تونسي وقد تتضمن عقوبة السجن. في حين يقر القانون عقوبات سجنية عندما يتعلق الامر بنفايات خطرة.

على الرغم من وجود هذه العقوبات المنصوص عليها، لوحظ أن “عدد المخالفات التي تّم رفعها كان محدودا”.وهذا ولئن يشير إلى ضعف آليات الرصد والمراقبة أو في تفعيل الإجراءات القانونية ضد المخالفين. فانه أيضا يطرح إشكالية جوهرية أخلاقية واجتماعية وقانونية حول التناسب بين المخالفة والعقوبة.

جدول2: ملخص العقوبات القانونية لرمي وحرق النفايات في تونس

نوع المخالفة

العقوبات المالية (دينار تونسي)

العقوبات البدنية

المراجع القانونية

رمي/إيداع/التخلص من النفايات في الوسط الطبيعي (بشكل عام)

من 100 إلى 5,000 (حسب خطورة الجريمة)

لا يوجد تحديد مباشر في هذا السياق

القانون عدد 41 لسنة 1996، المعدل بالقانون عدد 14 لسنة 2001 (الفصل 5) 17

إيداع/رمي/طمر/غمر/إهمال النفايات الخاصة الخطرة في مواقع غير مخصصة

من 10,000 إلى 500,000

من شهر إلى 5 سنوات سجناً

القانون عدد 41 لسنة 1996، المعدل بالقانون عدد 14 لسنة 2001 (أحكام جزائية) 17

حرق النفايات العشوائي (بشكل عام)

غير محدد بشكل مباشر، يندرج تحت “تلوث المحيط”

غير محدد بشكل مباشر، يندرج تحت “تلوث المحيط”

القانون عدد 41 لسنة 1996، المعدل بالقانون عدد 14 لسنة 2001 17

فهل ان المسالة تتعلق بالقوانين أم بالوعي المواطنيودور الجماعات المحلية في ذلك أم يعود الى مسالة غياب الثقافة البيئية ام غياب الوازع الأخلاقي والقانوني. ولماذا لم نشهد تحولا في سلوك الفرد رغم القوانين والتوعية ورغم بلوغ المجتمع التونسي مستويات تعليمية ومكتسبات تكنولوجية وانخراطه في ثقافة جمالية ورفاهة اجتماعية محسوسة سواء في الهندام الشخصي او في رفاه المساكن والسيارات او في الذوق الجمالي وتنسيق الأزياء كما اظهرته دراسات اجتماعية ناهيك عن الخلفية الثقافية للمجتمع التونسي (خصوصا القيروان) المتصلة بالقداس وحث القران الكريم والدين الإسلامي على النظافة وحماية البيئة ونبذ الاوساخ وربطه بالدناسة والفعل المدنس كفعل رمزي متصل بالطقوس.

يرى الفيلسوف جون جاك روسو في نظريته حول العقد الاجتماعي بشأن ضمان العدالة والمصلحة العامة في اصدار القوانين وتطبيقها، ويؤكد على وجوبية أن يطبق القانون على الجميع بالتساوي، دون استثناءات أو تمييز. ومن جهة ثانية وان تكون المخالفة متناسبة مع الجرم وان تهدف الى تحقيق المصلحة العامة. وفي المقابل يرى انه “على الحكومة يرى روسو أن الحكومة يجب أن تكون منفذة للقانون، وأن تكون مهمتها الأساسية هي تطبيق الإرادة العامة”. 

ما يعني أنه على الحكومة توفير الاليات الضامنة لتطبيق القانون على المخالفين قصد ردعهم انفاذا للقانون وتحقيقا للعدالة وعلوية القانون وتحقيق المصلحة العامة ضمن هذا العقد الاجتماعي الذي ترعاه الدولة ويعبر عن قوتها وعدالتها وسلطتها.

هناك إشارة عامة إلى أن “المنظومة القانونية تقف اليوم عاجزة عن تحقيق الأهداف التي وضعت لأجلها” بسبب “عدم كفايتها أو عدم تفعيلها أو عدم ملاءمتها مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية”. هذا الواقع يعكس غياب قوانين صارمة وعقوبات جزائية رادعة ضد الملوثين والمخالفين، أو على الأقل ضعفاً كبيراً في تطبيقها على أرض الواقع، مما يقلل من فعاليتها كرادع.

يُبرز التناقض بين وجود عقوبات قانونية محددة لرمي وحرق النفايات والفعالية المحدودة لهذه العقوبات في الواقع. فبينما يحدد القانون التونسي غرامات مالية وعقوبات بالسجن لمخالفات النفايات، بما في ذلك النفايات الخطرة، فإن التقارير تشير إلى أن عدد المخالفات التي يتم تسجيلها قليل، وأن المنظومة القانونية عموماً غير قادرة على تحقيق أهدافها. هذا التباين يشير إلى أن المشكلة ليست في غياب التشريعات، بل في قصور تطبيقي. قد يعود ذلك إلى نقص الموارد المخصصة للشرطة البيئية، أو غياب الإرادة السياسية لتطبيق القوانين بصرامة، أو وجود عراقيل بيروقراطية تعيق الملاحقة القضائية الفعالة. كما أن الغرامات المنخفضة نسبياً لبعض المخالفات قد لا تكون رادعة بما يكفيبحسب بعض الاراء. هذا الوضع يؤدي إلى استمرار الممارسات الضارة بالبيئة والصحة العامة، مما يتطلب مراجعة شاملة لآليات التنفيذ والرقابة.

مسؤولية المؤسسات العمومية: ثانية المهام والواقع الميداني

تتوزع مسؤولية إدارة النفايات وحماية البيئة في تونس على عدة مؤسسات عمومية، لكل منها مهام محددة. ومع ذلك، يواجه الواقع الميداني تحديات كبيرة تحول دون تحقيق هذه المؤسسات لأهدافها بشكل كامل.

يُعد التصرف في النفايات المنزلية والمشابهة من المشمولات الأساسية للجماعات المحلية (البلديات). تتولى البلديات مسؤولية جمع النفايات المنزلية ورفع نفايات البناء والهدم والحدائق ونفايات المحلات التجارية والصناعية والمهنية، بالإضافة إلى كنس الأنهج وغسل الشوارع. يمكن للبلديات تأمين عملية الجمع بصفة مباشرة (عن طريق وسائلها الذاتية) أو بصفة غير مباشرة (عن طريق شركات جمع خاصة متحصلة على كراس الشروط، في إطار صفقات عمومية). وهي بالتالي المسؤولة عن مراقبة أي تجاوز او مساس بهذه المنظومة.

غير أن البلديات في تونس وخصوصا في ولاية القيروان التي توصم بغياب النظافة وانتشار الاوساخ رغم ما تخصصه بلدية مدينة القيروان وحدها من إمكانياتوميزانية تفوق 3 مليون دينار سنويا، تواجه تحديات وصعوبات في موضوع النظافة ورفع النفايات وتركيز الحاويات ورفع المخالفات. ويعود لاسباب تتعلق بكفاءة الأداء وملاءمة المعدات مقابل عدم كفاية عمليات الجمع وعدم التزام المواطنين خصوصا مع اتساع المجال البلدي في التشريع الجديد وأصبحت على سبيل المثال مناطق القطرانية والباطن والخزازية تابعة لبلدية القيروان وهي مناطق ممتدة وواسعة تشمل أكثر من 200 الف ساكنفي حين تواجه البلديات المحدثة مثل بلدية رقادة وسيسب وجهينة وغيرها صعوبات مالية وهيكلية. وتواجه البلديات أيضا صعوبات في جمع كل النفايات خلال الدوريات العادية بسبب عدم احترام المتساكنين للأوقات والطرق المحددة لإخراج النفايات، مما يحد من نجاعة هذه التدخلات.

الى جانب صعوبات في تركيز الحاويات حيث تواجه ا لبلديات صعوبات في تركيز الحاويات الجماعية بسبب اعتراض المتساكنين على وضعها أمام محلاتهم ويتم في عدة أوقات وحالات إزالة هذه الحاويات ورميها بعيدا من قبل مواطنين وأصحاب محلات.

وفي المقابل تشهد عملية المراقبة والتوثيق حالة ضعف واضحة بل انها تكاد تكون منعدمة على الرغم من تخصيص مراقبين واعوان لمتابعة عمليات النظافة، فإن عدم مسك وثائق متابعة حال دون التأكد من نوعية الأعمال المنجزة. ولوحظ أن عدد المخالفات التي تم رفعها كان محدوداً، كما يتم أحياناً توظيف معاليم لا تتماشى مع صنف المخالفة.

أما المشكل الحيوي الذي تواجهه البلديات ورغم التوجه العالمي وانخراط تونسي في عديد البرامج الممولة والممنوحة، نحو تثمين النفايات ورسكلتها، فان جل البلديات تتولى رفع النفايات المنزلية والقائها في المصبات دون فرزها، وهناك عدم وضوح في طرق التصرف في مختلف أنواع النفايات، فضلاً عن ضعف مساهمة المواطن في هذه العمليات.

وهذا الامر يؤدي الى مشاكل داخل المصبات ومراكز التحويل حيث تعاني عملية قبول ومعالجة النفايات المنزلية والمشابهة بالمصبات المراقبة ومراكز التحويل من نقائص، خاصة عدم قدرتها على استيعاب كل النفايات الواردة عليها. كما أن بعد المسافة يثقل كاهل بعض البلديات بتكلفة النقل. فضلا عن مشاكل أخرى إدارية ووظيفية متصلة بعمل المصبات.

آليات المراقبة، تعددت التجارب والاخفاق واحد

تُشير التحديات التي تواجهها المؤسسات العمومية في إدارة النفايات إلى وجود مشكلات هيكلية ومؤسسية عميقة. فبينما يحدد الإطار القانوني بوضوح مسؤوليات البلديات والوكالات الوطنية في إدارة النفايات، فإن الواقع العملي يكشف عن فجوة كبيرة بين المهام الموكلة والقدرة على التنفيذ.

تواجه البلديات تحديات أساسية مثل عدم كفاءة طرق الجمع، وعدم التزام المواطنين بالجداول الزمنية لإخراج النفايات، وصعوبة وضع الحاويات، والأهم من ذلك، ضعف آليات المراقبة والتوثيق للمخالفات وهو أمر ملموس لدى المواطن.

وهذه المشاكل لا تتعلق فقط بإخفاقات فردية، بل تشير إلى قضايا هيكلية أعمق تتعلق بالتنسيق، وتخصيص الموارد، والتخطيط الاستراتيجي عبر المستويات الحكومية المختلفة. كما يعكس نقص فرز النفايات على المستوى البلدي، انفصالاً عن مبادئ الإدارة المستدامة الحديثة للنفايات.

شهد عمل المراقبة مسارا خطيا تاريخيا عبر سلم الزمن، انتقلت فيه عملية المراقبة من جهاز الى آخر ما قبل الثورة وما بعدها. حيث انتدبت الحكومة لأجل مراقبة تجاوزات رمي الفضلات جملة من الاليات. قبل الثورة كان جهاز “التراتيب البلدية” وهم أعوان رسميون يتمتعون بصفة الضابطة العدلية تابعون للبلديات. يقوم جهاز الرقابة، في المجال البيئي بأعمال الرقابة وضبط المخالفات وتحرير المحاضر والحجز. ويتم إحالة محاضر الخطايا على أجهزة الرقابة المالية والمحكمة. كما يقوم بقنص الكلاب السائبة وغيرها من الاعمال.

بعد 2011 تم حل جهاز التراتيب البلدية وادماج الاعوان ضمن سلك قوات الامن الداخلية وأصبح جهاز الشرطة البلدية جهازا مستقلا عن البلدية يخضع تراتبيا واداريا مباشرة لهياكل وزارة الداخلية وشهد حالة اتصال وانفصال مهني خصوصا في هيكلة البلدية والحكومة خاصة عند احداث وزارة الشؤون المحلية والحاق البلديات بها واصبح جهاز الشرطة البلدية غير خاضع إداريا لسلطة البلدية.

وفي سنة 2016 تم احداث جهاز الشرطة البيئية، لسد الفراغ، وهو فريق عمل يتكون من أعوان بلدية تم تمكينهم من زي حاص وسيارات خاصة تحمل شارة وشعار الجهاز لكنه خال من صفة الضابطة العدلية. واوكلت له وزارة الشؤون المحلية مهمات رصد وتحرير مخالفات معاينة ويعمل مباشرة تحت اشراف المجالس البلدية في عديد المهمات البيئية والصحية ومع ذلك تواصلت معظم الإشكاليات البيئية.

تم حل الجهاز لاحقا سنة 2023 بمرسوم رئاسي وتم الاحتفاظ بعرباته(في القيروان وصلاحياته بعد ان تم اعادة البلديات الى اشراف وزارة الداخلية وحل وزارة الشؤون المحلية حيث أمر رئاسي عدد 197 لسنة 2021 مؤرخ في 23 نوفمبر 2021 يتعلق بحذف وزارة الشؤون المحلية وإحالة مشمولاتها وإلحاق هياكلها المركزية والجهوية بوزارة الداخلية. وقد اكد وزير الداخلية في جلسة للبرلمان، ان اعمال المراقبة البيئية ستتواصل.

بالتوازي مع ذلك ودون انقطاع، تشرف وزارة البيئة على اعمال حماية البيئة والمحيط من النفايات بمختلف أنواعها عبر مراقبة المؤسسات والمنشآت ومشاريع تثمين النفايات ورسكلتها وذلك عبر وكالة حماية المحيط ووكالة التحكم في النفايات.

أُنشئت الوكالة الوطنية لحماية المحيط بموجب القانون رقم 91-88 بتاريخ 2 أوت 1988، وهي مؤسسة عامة تونسية غير إدارية تخضع لإشراف وزارة البيئة.

تتمثل مهامها في وضع المبادئ التوجيهية للسياسة الوطنية المتعلقة بمكافحة التلوث والحفاظ على البيئة، تنفيذ هذه المبادئ من خلال إجراءات محددة، مكافحة جميع مصادر التلوث والإزعاج وجميع أشكال التدهور البيئي، واقتراح الإجراءات اللازمة للسلطات لتحقيق هذه الأهداف.20 تدير الوكالة مشاريع لمراقبة جودة المياه السطحية والجوفية، وأطلقت منصة TunAIR لمراقبة جودة الهواء.    

وتقوم وكالة المحيط بأعمال رقابية واستشارية وتتخذ الإجراءات القانونية اللازمة في اطار عمل تشاركي وتنسيق مع البلديات وعديد المؤسسات العمومية. وفي حال رصد مخالفات تتعلق بحرق النفايات، تقوم الوكالة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين، بما في ذلك إحالتهم إلى القضاء. كما تعمل الوكالة بالتنسيق مع وزارة البيئة والسلطات المحلية والأمنية لضمان تطبيق القوانين البيئية ومكافحة التلوث بشكل فعال. وضمن دورها التوعوي تنظم الوكالة فعاليات وأنشطة توعوية لتعزيز الوعي بأهمية حماية البيئة والحد من التلوث الناتج عن حرق النفايات.

اما بخصوص النفايات الطبية، فتتولى الوكالة أيضًا متابعة ومراقبة النفايات الطبية والتأكد من التخلص منها ومعالجتها بالطرق السليمة لتجنب الأضرار الصحية والبيئية. 

وزارة البيئة أحدثت سنة 1991.10 تضطلع بدور الإشراف على الوكالتين (ANGED وANPE ) كما تلعب دورا محوريا في وضع السياسات البيئية، وتنسيق الجهود الوطنية لمكافحة تغير المناخ، وإدارة النفايات، وعقد الندوات لتقديم الاستراتيجيات الوطنية.

بعدها أُحدثت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات بموجب الأمر عدد 2317 لسنة 2005، وهي مؤسسة عمومية ذات صبغة غير إدارية تتمتع بالشخصية المدنية والاستقلال المالي، وتخضع لإشراف وزارة البيئة.

تتمثل مهامها في المساهمة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتصرف في النفايات، وإنجاز المشاريع وتنفيذ الإجراءات الواردة بالبرامج الوطنية، وتسيير النظم العمومية المتعلقة بالنفايات، استغلال وصيانة المنشآت المتعلقة بالنفايات الصناعية والخاصة، ومتابعة وتطوير برامج جمع ورسكلة وتثمين النفايات، تقديم المساعدة والدعم للبلديات والصناعيين، إعداد وتنفيذ برامج توعوية وتحسيسية، والمساهمة في إعداد مشاريع النصوص التشريعية والترتيبية.

وتسعى الوكالة إلى إحكام التصرف في مختلف أصناف النفايات، والمحافظة على العناصر البيئية، وحماية الموارد الطبيعية، وتحسين الإطار الحياتي للمواطن، وضمان جودة الحياة بالمدن، ومضاعفة مجهودات بعث مواطن الشغل المرتبطة بقطاع التصرف في النفايات.

حرق الفضلات وتغير المناخ: مساهمة محلية في مشكلة عالمية

يُعد حرق النفايات، خاصة ما نشهده وسط الاحياء والمصبات العشوائية والذي تقوم به أحيانا شركات رفع الفضلات نفسها، مساهماً رئيسياً في انبعاثات غازات الدفيئة، مما يربط المشكلة المحلية في القيروان بتحدي تغير المناخ العالمي، ويضع التزامات تونس الوطنية في هذا السياق بما يسمى بالبصمة الكربونية والمساهمة في الاحترار العالمي حرق النفايات وانبعاث الغازات الدفيئة.

تشارك تونس بنشاط في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، وقد قدمت مساهمتها الوطنية المحددة (NDC) في مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ (COP26).26 تستهدف تونس خفض كثافة الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010، مع مساهمة غير مشروطة تبلغ 27%.

يُعد قطاع النفايات أحد القطاعات الأربعة الرئيسية التي يتم جرد انبعاثات غازات الدفيئة منها في تونس، إلى جانب الطاقة والعمليات الصناعية والزراعة واستخدام الأراضي. في مجال التصرف في النفايات، بلغت نسبة الانبعاثات 3.6 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون، منها 2.792 مليون طن مكافئ من مصبات المراقبة و40 ألف طن من حرق النفايات.

تعمل تونس على صياغة التقرير الوطني الثالث لفترة السنتين حول الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، مما يعكس التزامها بالشفافية المناخية. تهدف الاستراتيجية الوطنية للتنمية ذات الانبعاثات الغازية الضعيفة والمتأقلمة مع التغيرات المناخية، إلى خلق مجتمع خالٍ من الكربون بحلول عام 2050. وتتضمن المساهمات المحددة وطنياً تحسين إدارة النفايات عبر تثمينها الطاقي والحد من النفايات الصناعية والطبية كأحد القطاعات الاستراتيجية. تنسق وزارة البيئة الجهود في مجال تغير المناخ وتدعم الشفافية المناخية الوطنية، كما أنها جزء من اللجنة الفنية الاستشارية في مجال التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة.

يُبرز الوضع الحالي تناقضاً صارخاً بين الالتزامات المناخية الوطنية لتونس وواقع حرق النفايات العشوائي. فبينما تهدف تونس إلى خفض كثافة الكربون بشكل كبير وتعتبر قطاع النفايات جزءاً أساسياً من جهودها لمكافحة تغير المناخ، فإن الممارسات غير المنظمة مثل حرق النفايات المختلطة، كما هو مشاهد في القيروان، تقوض هذه الأهداف بشكل مباشر.

يعد حرق البلاستيك مصدراً رئيسياً لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، كما أن حرق النفايات العضوية مع المواد الصلبة يزيد من انبعاثات الميثان، وهو غاز دفيئة ذو تأثير حراري أكبر على المدى القصير. هذا يعني أن الفشل في إدارة النفايات بشكل سليم لا يؤثر فقط على الصحة والبيئة المحلية، بل يساهم أيضاً في تفاقم مشكلة عالمية. إن تحقيق أهداف تونس المناخية يتطلب معالجة فورية وفعالة لمشكلة حرق النفايات، والتحول نحو استراتيجيات إدارة نفايات مستدامة تتوافق مع التزاماتها الدولية.

يُقدم الجدول التالي لمحة عن انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النفايات في تونس:

جدول 3: انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النفايات في تونس (أرقام وطنية)

مصدر الانبعاثات في قطاع النفايات

الانبعاثات (مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون)

إجمالي انبعاثات قطاع النفايات

3.6

مصبات النفايات المراقبة

2.792

حرق النفايات

0.040 (40 ألف طن)

معالجة النفايات السائلة (التطهير)

0.552 (552 ألف طن)

نفايات المرجين (المخلفات السائلة لزيت الزيتون)

0.197 (197 ألف طن)

نحو حلول مستدامة: رؤية لمستقبل القيروان البيئي

تتطلب معالجة أزمة النفايات في القيروان، وما تمثله من تحد وطني، تبني رؤية شاملة للحلول المستدامة، ترتكز على التعاون بين كافة الأطراف المعنية وتفعيل الإجراءات الوقائية والعلاجية.

تُعد أهمية فرز النفايات من المصدر خطوة أساسية نحو إدارة مستدامة. فالمواد العضوية، التي تشكل غالبية النفايات المنزلية، يمكن تحويلها إلى سماد عضوي، بينما يمكن إعادة تدوير البلاستيك والورق والمعادن، مما يقلل بشكل كبير من كمية النفايات التي تصل إلى المصبات أو يتم حرقها. هذا التثمين للنفايات، سواء عبر إعادة التدوير أو التسميد أو التثمين الطاقي، يجب أن يكون بديلاً عن الردم الذي يسمم الأرض والمياه والبيئة.

يجب أن تُعطى الأولوية لتعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين، فغياب هذه الثقافة يُعد أحد الأسباب الرئيسية لانتشار النفايات.1 يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعية مكثفة وبرامج منتظمة عبر وسائل الإعلام.  

يتطلب تفعيل اللامركزية في إدارة النفايات تمكين البلديات بشكل أكبر، حيث أن التصرف في النفايات المنزلية هو من مشمولاتها الأساسية.4 يجب على كل بلدية توفير الحاويات وتركيزها وتوزيعها بما يتناسب مع الكثافة السكانية لكل تجمع.1 كما يجب أن تُعزز قدرات الشرطة البلدية والبيئية لتتمكن من فرض عقوبات أكثر صرامة على ملوثي البيئة.  

يتعين تطبيق صارم للقوانين وتوفير الموارد اللازمة للجهات الرقابية، فمحدودية عدد المخالفات التي يتم رفعها تشير إلى ضعف في التنفيذ.18 يجب أن تكون العقوبات رادعة ويتم تطبيقها بفعالية لضمان الامتثال.

أخيراً، يتطلب الحل الاستثمار في البنية التحتية الحديثة لإدارة النفايات، بما في ذلك مراكز الفرز، ووحدات إعادة التدوير، ومنشآت التثمين الطاقي للغاز الحيوي من المصبات.24 هذه الاستثمارات ستساهم في تقليل الانبعاثات وتحويل النفايات إلى مورد اقتصادي.

من أجل قيروان أنظف وأكثر استدامة

إن أزمة رمي وحرق الفواضل المنزلية العضوية في القيروان ليست مجرد مشكلة محلية للنظافة، بل هي ظاهرة متعددة الأبعاد ذات تداعيات بيئية وصحية واقتصادية وقانونية خطيرة، وتساهم بشكل مباشر في تفاقم تحدي تغير المناخ.

لقد كشفنا من خلال هذا التقرير عن وجود إطار قانوني شامل في تونس، ولكنه يعاني من ضعف كبير في التطبيق، مما يقلل من فعالية العقوبات المنصوص عليها. كما أن المؤسسات العمومية المعنية، رغم مهامها الواضحة، تواجه تحديات هيكلية ومؤسسية تعيق قدرتها على إدارة النفايات بفعالية.

إن الوضع الراهن في القيروان، الذي يتسم بانتشار النفايات العشوائية وحرقها، هو انعكاس لغياب ثقافة بيئية راسخة وضعف في آليات الرقابة والتنفيذ. هذا الواقع لا يهدد صحة المواطنين وجمالية المدينة فحسب، بل يقوض أيضاً جهود تونس الوطنية والدولية لمكافحة تغير المناخ.

لمواجهة هذه الأزمة، لا بد من تضافر الجهود على جميع المستويات. يجب على الدولة، ممثلة في وزارة البيئة والوكالات التابعة لها والبلديات، أن تعزز قدراتها التنفيذية والرقابية، وتوفر الموارد الكافية لتطبيق القوانين بصرامة. يتطلب الأمر أيضاً استثمارات عاجلة في البنية التحتية الحديثة لإدارة النفايات، بما في ذلك مراكز الفرز وإعادة التدوير ومنشآت التثمين الطاقي.

الأهم من ذلك، يجب أن يكون هناك التزام مجتمعي واسع النطاق. فالمواطنون هم شريك أساسي في هذه المعادلة، وعليهم مسؤولية تبني الممارسات البيئية السليمة، بدءاً من فرز النفايات من المصدر، والالتزام بأوقات وطرق إخراجها. يجب أن تُعزز برامج التوعية البيئية لترسيخ ثقافة الاستدامة.

إن مستقبل القيروان، وسلامة بيئتها وصحة سكانها، مرهون بالتحول من الإدارة العشوائية للنفايات إلى منظومة متكاملة ومستدامة. إنها دعوة للعمل المشترك والمسؤول، من أجل قيروان أنظف وأكثر استدامة، ومساهمة فعالة في حماية كوكبنا.

وهذه الأهداف المحلية للتنمية يفترض في تحقيقها تدخل الأطراف الرسمية في عمل مسترك ومتسق مع المجتمع المدني ومع الاعلام لإقامة شراكة فعلية واحداث تغيير فعلي في السلوك والوعي.